ataba_head
banarlogo

ذكرى عاشوراء الإمام الحسين(عليه السلام) في حقبة بعثنة العراق

ذكرى عاشوراء الإمام الحسين(عليه السلام) في حقبة بعثنة العراق

د. قيس ناصر

جامعة البصرة

 

 

 

      يدخلُ العملُ على نسيان الجرائم التي ارتكبها البعثيونَ, في سياق الجريمة ذاتها؛ لأنّها جريمة بحق الذاكرة العراقية, وتأريخ العراق ومجتمعه, ولعل واحدة من المشكلات التي تواجهها الدولة العراقية, هي عدم فهم ما جرى, ولماذا كل تلك الجرائم التي ارتكبت؟ من عمليات قتل وتهجير وإبادات وتغييب في السجون والمعتقلات وكثرة المقابر الجماعية, بأنواع وأشكال مختلفة من الجرائم, حتى أطلق على تلك الحقبة بـ (جمهورية الخوف, ودولة القمع, واللوياثان, والنظام الاستبدادي, والدكتاتوري والتوتاليتاري…إلخ) هل كل ذلك من أجل الهيمنة على السلطة فحسب؟  هل كل ذلك من أجل قمع المخالفين لحزب البعث, ومنع حرية التعبير, ومنع ممارسة الشعائر الدينية, ومنع الانتماء للهويات الفرعية؟ أم هنالك خلل في البنية الاجتماعية والنفسية السائدة كما يحاول بعض الباحثين تفسيرها ؟

     لماذا نلجأ دائماً إلى بناء ذاكرة مصطنعة؟ تحاول دائماً اللجوء إلى نسيان ما جرى, حتى بات المهتمون بدراسة حقبة حزب البعث وجرائمها قليلين جداً, مع التأكيد أنه ليس موضوعاً معرفياً فحسب, إنما هو موضوع أخلاقي أولاً, ومعرفي ثانياً, فالجرائم, لم تقف عند ما ذُكر في أعلاه, إنما هي عملية إلغاء وجود جماعات بكاملها, سواء أكانت دينية أم قومية عبر عملية يمكن التعبير عنها بـ (بعثنة العراق), من أجل إلغاء واقصاء كل ما يمت للهويات الفرعية بصلة, وإعادة تشكيل الإنسان العراقي على وفق دلالة الإنسان البعثي الذي لا تربطه علاقة بهويته ومعتقداته, وإن كان لمعتقداته الدينية حضور, فهو من خلال فهم حزب البعث أي وفق تفسير حزب البعث للدين بمعنى آخر وكما يطلق عليه أحد الباحثين المهتمين بدراسة الأرشيف العراقي بـ (الإسلام البعثي) –الذي ليس المجال للحديث عنه -.

   في ظل بعثنة العراق, والحرص على تقديم نسخة للإسلام على وفق فهم حزب البعث, في سياق أولي ماذا كان مصير الذين يعملون على إحياء ذكرى عاشوراء الإمام الحسين (عليه السلام)؟ على الرغم أنها ذكرى لا تخص طائفة إسلامية دون أخرى, لأن الإمام الحسين عليه السلام كما هو معلوم للجميع ليس لطائفة معينة فحسب, وليس للمسلمين فحسب, فهو ثائر إنساني بمنطلقات دينية, يتأثر بما جرى له أغلب من يستمع إلى رواية استشهاده من ناحية عاطفية على الأقل, والسير على نهجه لمن يوفق إلى ذلك .

     وفي سياق ثانوي, هل عمل البعثيون على الترويج لقراءة أو فهم مغاير, لما هو معروف في الذاكرة التأريخية من اقتران ثورة الإمام الحسين عليه السلام بالاصلاح, وشرعية الحكم؟  بمعنى آخر أن الإجابة عن هذا السؤال ترتبط بفهم عملية بعثنة العراق والايديولوجيا التي اعتمدها البعثيون, أما إجابة السؤال الأول عن مصير الذين يعملون على إحياء الذكرى, فيرتبط بدراسة ممارسات البعثيين وجرائمهم, وعلى الرغم من حجم الرقابة التي كانت تمارس على الشعائر الحسينية بشكل عام وكل ما يمت بصلة لمظاهر الحزن بشكل خاص, إذ انتشرت بعض الوثائق الخاصة بأرشيف حزب البعث واجهزته القمعية, يتبين من خلالها مدى الرقابة والمعاقبة التي كانت تمارس من أجل منع إحياء الذكرى .

   إن الموقف من ممارسة الشعائر الحسينية مع حقبة حزب البعث في العراق بعد 1968م,  يمكن تقسيمه بشكل أولي, على ثلاث مراحل:

 المرحلة الأولى/ ما قبل 1979م, وما ارتكب فيها من جرائم, لعل أبرزها ما ارتكب في زيارة أربعينية الإمام الحسين عليه السلام 1977م, ويمكن القول بأن هذه المرحلة كان لحزب البعث في العراق موقفاً مناهضاً لكل ما يمت إلى الدين بصلة ولم يفرق بين سني أو شيعي, وتعرضت أغلب الحركات الإسلامية إلى الاضطهاد والاعتقال .

المرحلة الثانية/ ما بعد 1979, وهي مرحلة فهم للحركات الدينية السائدة في العراق, ولعلماء الدين والمتدينين, مع القيام بجرائم أكثر من التي ارتكبت في المرحلة السابقة, من عمليات قتل وتغييب وتهجير لعلماء الدين ولخطباء المنبر الحسيني وللمتدينين, وبخصوص إحياء ذكرى عاشوراء, هناك بعض الوثائق التي تتحدث عن حجم الرقابة التي كانت تمارس على الشعائر الحسينية, ويتبين من خلالها طبيعة الرقابة التي كانت تمارس حينذاك. وفي الوقت نفسه, تؤسس هذه المرحلة لمرحلة قادمة وهي مرحلة غرس التفسيرات البعثية في المجتمع العراقي, التي توجت مع المرحلة التي اطلق عليها في التسعينيات بالحملة الإيمانية .

المرحلة الثالثة: ما بعد 1991, وهزيمة النظام البعثي بعد احتلاله للكويت, وما تبعها من الانتفاضة الشعبانية المباركة, وفي أثنائها تم ارتكاب جريمة الاعتداء على ضريحي الإمام الحسين وأخيه المولى أبي الفضل العباس عليهما السلام, من ثم بعد 1993م, بدأت ما يُعرف بالحملة الإيمانية, على وفق التفسير المشوه الذي اشتغل على تأسيسه صدام في المرحلة السابقة كنواة لما يعرف التفسير البعثي للإسلام من خلال جامعات ومؤسسات, مثل جامعة صدام وغيرها التي عمل بعض المنتسبين إليها على تقديم قراءات تنسجم مع رؤية صدام .

وإن كانت هذه المرحلة أقل من سابقاتها- المرحلة الأولى والثانية-؛ لأن التضييق والمنع والمحاربة مثلما جرى في المرحلة الأولى, يشكك بدعوى الحملة الإيمانية التي تبناها حزب البعث, لكن, على الرغم من ذلك هناك العديد من الوثائق, فضلاً عن ذاكرة الناس, التي تبين الوسائل والتعليمات التي تؤكد منع أداء الشعائر الحسينية .

ختاماً, يمكن القول إن جميع الحكام المستبدين يدركون -سواء أكانوا من حزب البعث المقبور أم غيرهم-, أن ذكرى عاشوراء الإمام الحسين عليه السلام, هي ساحة لتحريك الواقع, ومصنع للثورات التي تعمل على تغيير فساد الواقع واصلاحه, وإن إحياءها يساهم بصناعة جيل من الشباب مرتبطاً بالدين الاسلامي أولاً, وساعياً إلى الاصلاح ثانياً, لهذا تجدهم يسعون إلى منعها تارة أو ادخال تفسيرات لها تنسجم مع رؤيتهم تارة أخرى .