قراءة في كتاب (كنتُ بعثيا)
عباس العنبوري
عكفت خلال الأيام الماضية على قراءة كتاب (كنت بعثياً). وهو الكتاب الذي تناول مذكرات أحد مؤسسي حزب البعث العربي الاشتراكي وعضو قيادتيه القطرية والقومية شطراً من الزمن. ولعل من أهم الأسباب التي دعتني لقراءة الكتاب بإمعان مختلف عن سائر قراءاتي أن كاتبه ينتمي إلى واحدةٍ من الأسر النجفية العربية المعروفة بتوجهاتها العلمية والحوزوية، وهو الأمر الذي يجعلني أكثر قرباً لفهم تلك العقلية (النجفية) التي انتمي إليها بشكل من الأشكال ولو بحسابات الوراثة والانتماء،فضلاً عن وجود علاقات وأواصر شخصية واجتماعية بين أسرتي وأسرة آل الشيخ راضي الكرام.
وهو الذي يسهل علي تفكيك المقاصد وتحليل المطالب -بحسب تصوري طبعاً-. كما أني أعتقد أن الوقوف على جذور البعث منذ التأسيس وحتى السقوط والانهيار ضرورة تأريخية لمعرفة الأسباب التي دعت إلى انحراف تلك الجماعة، والذي أوصلها إلى رسم الحقبة الأكثر دموية في تاريخ العراق ما امتد لأربعين عاماً، منذ انقلاب 1963 وحتى سقوط النظام في العام 2003، فلا زلنا وبعد مرور عقدين على سقوط واحدٍ من أعتى الأنظمة دمويةً في تأريخ الشعوب، ننظر إلى الحاضر بعين منبتة الصلة عن ماضٍ بدأ يتلاشى مدونوه بين المنافي والموت. إذ لا يمكن أن نحلل الظواهر الحالية اجتماعياً ونفسياً دون الوقوف على جذورها التاريخية.
ولكي لا أسترسلُ بعيداً عن مطالب الكتاب وما فيه، أود أن أسجل أبرز ما استوقفني فيه ببضع نقاط :
- الدور الكبير لعلي صالح السعدي في تأسيس جناح حزب البعث المنشق بعد ردة تشرين على أثر خلافات كبيرة مع ميشيل عفلق والعسكريين البعثيين ومنهم حردان التكريتي وصالح مهدي عماش وأحمد حسن البكر.
- الدور الطائفي للعسكريين الذي لم يكن جناح علي صالح السعدي مدركاً لخطورته ؛لأنهم -وبحسب الشيخ راضي- كانوا بعثيين مبدئيين يؤمنون بدور البعث في إحياء الأمة العربية، بخلاف الآخرين من طلاب السلطة.
- مشاهدات محسن الشيخ راضي على دموية الحرس القومي والعسكر بعد انقلاب شباط من العام 1963، ومنها كيفية إعدام عبد الكريم قاسم في مبنى الإذاعة في بغداد، وتصفية الشيوعيين بطريقة دموية بشعة.
- أثر الاختراقات البريطانية داخل هيكل السلطة ودور جمال عبد الناصر في ردة تشرين وتفكيك حزب البعث من الداخل.
- أشّر الكتاب وجود بعض الشخصيات المتسلقة التي ساهمت في تفكيك وتدمير التجربة وفي مقدمتهم العسكر وميشيل عفلق وطالب شبيب وصدام حسين التكريتي.
- أشّر الكتاب كيف انهزمت المبادئ البعثية أمام ما عبر عنه بثلاثية العشيرة والمنطقة والمذهب.
- حاول الكاتب جاهداً أن يؤكد سلامة نية المؤسسين الأوائل وتصديقهم بحقيقة المبادئ التي دعا لها ميشيل عفلق وتصوراتهم السابقة عنه بأنه: صوفي زاهد!
- عبر الكاتب عن حزب البعث بعد ردة تشرين بحزب البعث (العفلقي) تمييزاً له عن حزب البعث (اليساري) بقيادة علي صالح السعدي، والذي استمرت محاولاته بمعونة عدد من البعثيين بتأسيس أحزاب بعثية أخرى لم يُكتب لها النجاح.
- أوضح الكتاب كيف انقسم البعثيون بعد انقلاب شباط 1963 بين نظريتين: الأولى، تدعو لطلب السلطة لتحقيق مبادئ الحزب، والثانية، تعتبر الحزب أكبر وأهم من أي سلطة.
لا زلت أعتقد أننا بحاجة الى وقفات حقيقية لمعرفة جذور حقبة البعث الدموية بطريقة علمية ومعرفية ولن يكن هذا الكتاب الوحيد من بينها.