ataba_head
banarlogo

الـتـطــرف كـمـظـهــر مـن مـظـاهـــر الـهـشـاشــــــــــة

الـتـطــرف كـمـظـهــر مـن مـظـاهـــر الـهـشـاشــــــــــة

الباحث

محمد عباس اللامي

مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية

يـمـرُّ الـتـطـرّف عـبـر مـراحـل ،إذ يـبـدأ بالـتعـارض فـي الـرأي فـاتـسـاع هـامـش الاخـتـلاف حــد الـنـقـمـة والـكـره ثـم يـكـون الـمـرور إلى الـعـنـف الـمـادي بـتـجـلـيـاتــه المخـتـلفة ،فــإذا مـا وصـل إلى مـرتـبـة الـعـقـيـدة ، بـمـعـنـى أن يـصـيـر سـلـوك الـعـنـف جـــزءاً مـن شـخـصـيـة الـفــرد وأحـــــد مـكـونـات بـنـيـتـه الـنـفـسـيـة ، فــــإن ذلـك يـكــون نـتـيـجـة لـعـــدة مـسـارات فـرديـــة وجـمـاعـيـة واجـتـمـاعـيـة مـتـضـافـــرة كـمـا يـمـكـن الـقـول إن الـعـنـف و التطرف ليس نتاج شخصية محددة بل يتم اعتناقه والانجذاب إليه من طرف العديد من الأفراد ، لأسباب وخصائص عديدة ، ليتحول إلى انحراف سلوكي تدميري تجاه الآخر بفعل عامل التلقين و” الأدلجة ” عبر إعادة تشكيل نفسي يتم بعزل الفرد عن ذاته وعن مجتمعه ، ثم تتم عملية إعادة بنائه من جديد بفكر وسلوك آخرين ، وعادة ما تؤطر تلك العملية الثنائيات الفكرية المعروفة : ” الحق والباطل ” ، ” الحرام والحلال” ، ” المعروف والمنكر ” ، ” المؤمن والكافر” .

لقد رأى الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر أنَّ العنف هو فشل أياً كان شكله ، وإن كان ضرورة تمليها طبيعة المجتمعات الراهنة وإن صح اللجوء إلى ممارسته فهو رد على عنف مولد له ، وقد بحث سارتر في العنف المرتد على الذات والعنف الموجه إلى الآخر الذي يكشف مستوى الضعف الذاتي الذي أجبر صاحبه على أن يكون عنيفاً   بينما يقول الفيلسوف الألماني هابرماس يبدأ العنف تواصلاً مشوهاً ، ثم يقوده انعدام الثقة المتبادل والخارج عن السيطرة إلى انقطاع التواصل ،  لكن يبدو أن العولمة غذت حركة التطرف و العنف التواصلي المتسارعة فبتكثيفها للتواصل المرضي تقوم بتوزيع  غير عادل للأدوار، مقسمة العالم بين رابحين ومستفيدين وخاسرين بحيث يصبح التفاهم التبادلي أصعب فأصعب في مواجهة هذه التحديات التي تطرح   حيث يعيش الإنسان في الغرب في مجتمعات سالمة ومرفهة ومع ذلك فإنها تحتوي على عنف بنيوي اعتدنا عليه إلى حدٍ ما ، وهو تطرف وعنف يقوم على عدم المساواة الاجتماعية التي لا ترحم ، وعلى التمييز المهين وعلى الإفقار والتهميش والقتل وكان اآخرها الاحتجاجات في العاصمة الفرنسية باريس تنديدا بالعنصرية ، كما هي الإدارة الأمريكية ، وحكومات الدول الغربية الأخرى كالسويد تغض النظر عن الفنانين والمؤسسات الثقافية التي قامت بإساءات بالغة وجهت للإسلام ولاسيما في شخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، أو اشتغال عدد من مراكز البحوث على إثارة الأحقاد ضد الإسلام بوصفه (إرهابيا أو يرعى الإرهاب) . إن موضوعة (حرية الرأي) و (حرية وسائل الإعلام وصناعة المحتوى الفني ) (مع كل ما تنطوي عليه من أخطاء جسيمه إذا استغلت ضد إطراف مناوئة) ترفض على نحو قاطع من قبل الجماعات الإرهابية فهي ترفض أن يكون للآخر حق في إبداء الرأي .

إن موقف الغرب من الإسلام هو أيضا برر لهذه الحركات ولعل ذلك هو الذي جعل الفيلسوف الفرنسي بودريار يؤكد أنَّ هناك (حقن عالمي للتطرف والإرهاب) ، كون التطرف ناتج عن الانفعال وهو إجراء يائس من شخص أو جماعة ضد طرف آخر, فإذا اقترن التطرف بالعنف والأعمال الفعلية الإجرامية التي تفزع الناس وتهدد الأمن والأشخاص المدنيين وتقلق أمن المجتمع أصبحت من الأعمال الإرهابية لأن التطرف أصبح يثير الفزع والخوف والرعب وهو أقصى درجات اليأس والقسوة المدمرة ، لذلك فإن التطرف هو المغالاة السياسية أو الدينية او المذهبية أو الفكرية وهو أسلوب خطير ومدمر للفرد وللجماعة ولكيان المجتمع والدولة ، ان الدراسات التي تعنى بهذه الظاهرة قد اشارت الى اسباب سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية واخرى نفسية وحتى بيولوجية لنشوء السلوك المتطرف الذي يستخدم العنف للتعبير عن أفكاره واثبات وجوده وفي الوقت نفسه حلا لمشاكله مع الأطراف المنافسة أو المتصادمة مع نهجه ، ويقول الفيلسوف الفرنسي (لان) (أن يتجه شخص أو أكثر إلى حصر المجتمع في نفسهما أو جماعتهما وإلى اختصار المجتمع في الذين يتفقون معهما فهذا خيال مستحيل وهو التطرف بعينه.

وهكذا تتباين التعبيرات حول التطرف فهو عند بعضهم مجرد تعصب لرأي معين من دون غيره من الآراء الأخرى إذ يكون هذا الرأي بعيدا عن الاعتدال مع الإصرار عليه، أو هو شريحة من المجتمع تبتعد عن المجرى الرئيس لحياة المجتمع أما لخطأ في الفكر أو لخطأ في السلوك الذي هو تطبيق للفكر وأثر له فالمتطرف يقتنع بأفكار معينه ويصرّ عليها ويسعى لحمل الناس على اتباعها ولا يقبل الرأي الآخر، بينما يرى آخرون أنه التشدد في اتخاذ موقف معين وهو مرتبط أشد الارتباط بتصورات صاحب الموقف المتطرف لما هو حق وخير أو باطل وشر ، وهذا ما يدعو إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة في مراقبة البرامج وإعادة التقييم الخاص للاستراتيجيات المعنية بالاندماج المجتمعي و مواجهة التطرف واستئصال الأفكار التي تدعو للعنف والإرهاب ، و دعم مراكز البحوث والدراسات لإيجاد الحلول الكفيلة لمواجهة التطرف العنيف المؤدي للإرهاب ، ودعم التعليم لنشر روح التسامح والحوار ورفض كل ما يدعو للكراهية ، وفتح نوافذ دبلوماسية متعددة تهدف لتبادل المعلومات والدراسات وحث المنظمات المحلية والدولية من خلال برامجها في تحجيم وتفكيك الأفكار المتطرفة  .