ataba_head
banarlogo

رداً على الإساءة للقرآن… تحليل لرسالة المرجعية العليا

رداً على الإساءة للقرآن… تحليل لرسالة المرجعية العليا

 

أ.د. حسين الزيادي

 

 إنَّ أبرز ما تتصف به المرجعية الدينية العليا هو العمق الفكري والعطاء اللامحدود والقراءة الحكيمة للأحداث، والتنبؤ الواقعي بالأسباب والنتائج ، الأمر الذي جعل المجتمع مرتبطاً بها ارتباطاً روحياً قوياً على مر الأزمان، ومطيعاً لما يصدر عنها من أقوال وتوجيهات، لأن عملها يستند على أسس رصينة خالصة لوجه الله تعالى، وتمثل المرجعية الدينية العليا خط الدفاع المتقدم لذلك نراها تنبري بقوة في الأوقات التي تتعرّض فيها الهوية الإسلامية للتحدي وهو أمر لمسناه بوضوح في فتوى الدفاع الكفائي .

ومن تلك المواقف التي انبرت فيها المرجعية للدفاع عن هوية الإسلام عندما تمت الإساءة للقرآن الكريم فخرجت تلك الرسالة التي تحمل دلالات ومضامين عليا من زقاق قديم من أزقة النجف الأشرف، وبهذه الرسالة أصبحت دول العالم على المحك وبين ضغطين، ضغط الأمم المتحدة من جهة وضغط ملياري مسلم الذين نطقت الرسالة باسمهم  من جهة أخرى.

امتازت الرسالة بكونها إخبارية تحليلية جدلية ابتعدت عن التفاصيل المفرطة والمعقدة ، واستعملت فيها جمل بسيطة وقصيرة متضمنة شرحاً مبسطاً لتوضيح الحجة والمنطق المراد ايصاله، لذا احتوت رسالة السيد علي السيستاني “دام ظله” على خمس فقرات رئيسة تتنقل من محور إلى آخر بتسلسل منطقي ومنهجي.

1-الفقرة الأولى وجاء فيها( تناقلت وسائل الإعلام أن أحدهم قام في مملكة السويد بالاعتداء على نسخة من القرآن الكريم وحرق بعض أوراقها، بهدف الإساءة الى الدين الإسلامي الحنيف).

لم يخاطب السيد السيستاني السويد أو الحكومة العراقية ولا السفارة السويدية، فذلك شأن الساسة والسياسين، وخطاب المرجعية كان على الدوام متحرّراً من السُّلْطة والتبعية والمصالح الخاصّة، فالخطاب هنا موجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وهي رسالة موجهة للعالم أجمع وليس لدولة بعينها، فهو ليس خطاب موجه إلى ظاهرة بذاتها وليس إلى شخص طبيعي أو معنوي أو دولة معينة أو شخص معنوي، ويلحظ من خلال الفقرة الأولى للرسالة مدى الدقة في القول عندما يقول( تناقلت وسائل الإعلام أن أحدهم … ) وبعدها يعرج السيد على الهدف من الفعل وهو الإساءة إلى الدين الإسلامي الحنيف، والإسلام دين ومبادئ له سياسته الداخلية والخارجية التي يعيش في ظلالهـا الناس جميعاً، والتي تقوم على حفظ كرامة الإنسـان والاحتـرام لحقوق الآخر.

2-الفقرة الثانية : (وقد وقع نظير هذا التصرف المشين أكثر من مرة في بلدان مختلفة خلال السنوات الأخيرة، إلا أنّ الملاحظ أنه وقع هذه المرة بترخيص رسمي من الشرطة السويدية، بزعم أنه من مقتضيات احترام حرية التعبير عن الرأي).

في هذه الفقرة بين السيد أن الحدث هذه المرة يختلف عن سابقه ، فهو ليس تصرف فردي بل صدر بتفويض وحماية خاصة، مع ذكر الحجة من التفويض أو الحماية وهو احترام حرية التعبير عن الرأي ، ليأتي بعدها مفنداً لهذه الحجة في الفقرة الثالثة.

3-الفقرة الثالثة: (من المؤكّد أن احترام حرية التعبير عن الرأي لا تبرّر أبداً الترخيص في مثل هذا التصرف المخزي الذي يمثّل اعتداءً صارخاً على مقدسات أكثر من ملياري مسلم في العالم، ويؤدي الى خلق بيئة مواتية لانتشار الأفكار المتطرفة والممارسات الخاطئة)

يؤكد السيد السيستاني “دام ظله” في هذه الفقرة ثلاثة محاور فهو يؤكد أن هذا التصرف لا يبرره مبدأ حرية التعبير، وإنه يمثل اعتداء على الآخر وفي الوقت نفسه يسهم في خلق بيئة مواتية لانتشار الأفكار المتطرفة والممارسات المرفوضة.

4- الفقرة الرابعة ( إن المرجعية الدينية العليا إذ تبدي إدانتها واستنكارها لما وقع تطالب الأمم المتحدة باتخاذ خطوات فاعلة بمنع تكرار أمثاله ودفع الدول الى إعادة النظر في التشريعات التي تسمح بوقوعها).

بعد أن بيّن السيد السيستاني نوع الفعل وهدفه وطبيعته والنتائج التي يمكن أن تترتب عليه، جاءت الدعوة الموجهة للأمم المتحدة لمنع هكذا تصرفات ، فضلا عن  دعوة الدول لإعادة النظر في التشريعات التي تسمح بالتجاوز على الآخرين.

5- الفقرة الخامسة والتي ختمت بها الرسالة ، كانت واضحة تلخّص موضوع الرسالة  والهدف الذي كتبت من أجله واحتوت على دعوة إنسانية عالمية لتثبيت قيم التعايش السلمي بين أتباع مختلف الأديان والمناهج الفكرية مبنياً على رعاية الحقوق والاحترام المتبادل بين الجميع.

إن المتأمل لرسالة المرجع السيد علي السيستاني يلحظ أنَّها رسالة استنكار عالية المضامين وفي الوقت نفسه هي رسالة توضيح وتفسير وتوجيه ودعوة للمحبة والسلام والتعايش السلمي، وجاءت مطابقة لتعاليم القرآن الكريم في كيفية معاملة المسيئين حيث يقول الحق تبارك وتعالى (وَلَا تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْوًۢا بِغَيْرِ عِلْمٍۢ) الأنعام:108

يعني ألا تسبّوا الذين يتخذون لأنفسهم معبودا آخر غير الله ، سواء كان هذا المعبود بشرا أو حجرا ،أو أي صورة من الصور المادية في هذا الكون.).