ataba_head
banarlogo

إرهاب بالزي المدني

إرهاب بالزي المدني

(11)

الأستاذ المساعد الدكتور

رائد عبيس

عضو المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف

اعتاد حزب البعث المشؤوم على اختيار دلالات الرعب, والإرهاب, في كل سلوكياته المتطرفة في السلطة , سواء كان على مستوى النواحي الشخصية, أو التنظيمية, أو السياسية, وكذلك العسكرية.

فقد كان لدلالات الشخصية البعثية المملوءة ولاء للحزب, والثورة, والقائد, تحمل صفات معينة, ومعروفة, ومشخّصة لدى المواطن العراقي , هي في العادة تعكس حجم التمظهرات السلطوية الذي يراد منها إخافة الآخرين, وإرهابهم, وزراعة الخوف فيهم،مثل : إطالة الشارب وإنزاله حد الذقن , أو نفخ العضلات بشكل استعراضي , أو وضع المسدس بشكل لافت , أو العناية بالقيافة العسكرية, بشكل استعراضي للرتب العسكرية ,وما يخول فيها , مثل: لبس أنواط الشجاعة التي كان يكرم بها الرئيس أعضاء الحزب.

 وهذا يمثل جزءاً من نمط الشخصية المتحزبة في عهد البعث المباد ,منه بالزي العسكري, ومنه بالزي المدني الذي يعنينا في هذه المقالة .

مشكلة الزي والأزياء المدنية, لها متغيرات كبيرة في تقلّب الحياة السياسية في العراق , وقد لفت انتباهنا إلى ذلك إشارة تقارير اللجنة الأممية لحقوق الإنسان في عام 2001  المقدم من قبل السيد إندرياس, وما سبقتها من تقارير في أعوام سابقة, من قبل السيد “ماكس فان”, فقد ذكر هذا التقرير المرقم 42 في سنة 2001إن نظام البعث كان كثيراً ما كان يفعل إجرامه بحق مواطنيه “بالزي المدني”.

من هذا تذكرنا  موقف الشعب العراقي من الزي “السفاري” الزي الذي اقترن بالرفاق , والبعث , والخوف , والتجسس, والتقمص, والسلطوية, والحزبية , والولاء, والتطرف في البعثية سلوكاً, وفكراً, وتنظيماً, و انتماءً, لا يخفي المواطن العراقي خوفه من هذا الزي , وذلك لما ارتبط به من مواقف مع لابسيه أو المتشبهين به ،. ويمكن أن التحليل السايكولوجي لتقمص أدوار البعث بهذا الزي, كان يحمل دلالاتٍ كبيرةً ,منا ما يتعلق بالفقر , وآخر برغبة السلطة, وثالثة لمن يبحث عن وجاهه , وتعويض عن النقص , أو تحصيل منافع, و أذكر بهذه المناسبة, موقف أحد أساتذة الجامعات- الذي كان نادراً ما يلبس غير الزي السفاري عند خروجه حتى للتسوق- مع البقال الذي يشتري منه الخضراوات , فمرة اشترى منه طماطم فلم يأخذ منه ثمنها , فقال له لماذا لم تأخذ , فقال له البقال : “أستاذ أنت يبدو عليك بعثي كبير “.

 وأمثال هذه القصص التي يكتفنها الخوف والرجاء من عناصر البعث والمتشبهين بهم كبير جداً مع أصحاب المطاعم, وأصحاب التكسي ,والمجمعات التجارية …وغيرها.

وهذا كان نتاج التأثير غير المباشر مع أصحاب المظهر السلطوي المكروه لدى العراقيين, وهو “زي السفاري ” فما بالك بالمؤثرات الأخرى , أمثال: الاغتيالات , والاعتقالات , والتحقيق, ومنفذي العمليات, والمراقبين , والمُتجسسين, والمتحزبين, من عناصر الحزب المدنيين , والعسكريين .

كان حزب البعث يستخدم الزي المدني لعناصره في تنفيذ عملياته, سواء كانت بدمجهم مع المدنيين مباشرة أو عن طريق الانتشار الأمني العسكري بالزي المدني , وهذا ما كان دائما يفعله الحرس الجمهوري الخاص في كثير من المناسبات الاجتماعية أو الدينية, ذكر التقرير المُشار إليه في أعلاه , أن حزب البعث كثيراً ما كان يستخدم عناصره, وبزيهم المدني, لنشرهم بين الزوار الشيعة في المحافظات ذات المزارات الشيعية في العراق مثل : سامراء ,كربلاء ,النجف , بغداد.

كان النظام يلجأ إلى هذه الأساليب لنشر أكبر قدر من الرعب بين صفوف الناس؛ لأنهم قد لا يفرزون عناصر الأمن عن غيرهم من الزوار أو الحركة الطبيعية للناس ،وربما ليبعد عن نفسه وأقصد النظام التساؤلات الأممية التي تدين عليه الانتشار الأمني والعسكري داخل المدن وتضييق الخناق على المجتمع بشكل عام, أو زوار العتبات المقدسة بشكل خاص، فضلاً عن إمكانية تأديتهم أعمال أكثر ,مثل حرية المراقبة , والملاحقة , والاعتقال , والتغلغل بين صفوف الزوار, أو المجتمع بشكل عام ،وكذلك لإخفاء الجهة الأمنية المتولية لهذه المسؤولية, وأقصد مسؤولية الانتشار الأمني التي يأتي بها تكليف مباشر من قيادة البعث, مثل : الحرس الخاص, أو الحرس الجمهوري, وبحسب درجة قرب هذه المؤسسات من رأس النظام البعثي.

فالرهاب من “الزي المدني للبعث ” خلّف في المجتمع آثاراً  نفسية ,واجتماعية كبيرة ,بدأت من الاشمئزاز, والكره, والخوف, والقلق, وانتهت إلى الاعتداء, والتطاول على من يرتديه،  كما حدث في قصة رجل كان مرتدياً لزي السفاري وعند دخوله لمجلس فاتحة ,بدأ من يجانبه بالجلوس “يغمزه بالقول صاحبنا بعثي, صاحبنا عنده واجب بالفرقة, صاحبنا حن لأيامه ” , وهكذا تفاقمت المضايقات الاجتماعية على من ارتدى زياً مدنياً ارتبط عنوانه بالخوف, والإرهاب, والرعب, وايديولوجيا التحزب بالألوان والزي.

فهذا النوع من الإرهاب , والفوبيا, والقلق, اعتباري صرف, لا يمكن إحاطة مؤثراته بقرار منع واضح, بقصد إيقاف آثاره النفسية على الناس ,بل كان البعث يستعملها رسائل تهديد, وإخافة, وبث رعب, ونمطية ولاء , وهي جزء من مظاهر تبعيث المجتمع.

لا يخفى أن دراسة مثل هذه التبعات تحتاج إلى مباحث سايكولوجية مستفيضة, ودراسة أبعاد التأريخ بفلسفة التأريخ, حتى لا تمر هذه المظاهر المرعبة من دون إشارة توثيقية, ودلالة رمزية متحفية في ذاكرة الأجيال .