ataba_head
banarlogo

سبايكر…إبادة لا يمرّ عليها الزمن

سبايكر…إبادة لا يمرّ عليها الزمن

د علاء مصطفى

باحث ومحلل سياسي/ أستاذ في جامعة بغداد

 

مع إطلالة الذكرى التاسعة لمذبحة سبايكر ،ومع التحليل العميق لارتكاب تلك المذبحة الرهيبة التي تفوق غيرها من الجرائم بحقِّ مجتمعنا المسالم المتسم بعشق الحياة وبغض العنف، يجد أنَّها لم تأتِ بسياق منعزل عن مسلسل العنف الرهيب، بل استندت على إرث دموي عميق يسخف رؤية بعضهم ممن فسروها بطغيان ساعة، فمشهد العنف متلازم ولا يتفكك، بل تراكم تُمهّد كل حلقة فيه للأخرى، وما سبايكر إلا جزء من مأساةٍ بدأت من عام ٢٠٠٤ حيث ظهور تنظيم القاعدة وحلقاته البشعة التي بدأت بالاغتيال والتهجير والعبث بالإرث الحضاري وتشويه الوجه الإنساني، بغية القضاء على كل من لا يعتنقُ الفكرَ الضّال ،وتعطيل التنظيم الاجتماعي سعياً لاجتثاث وجوده.

 مذبحة ارتُكبت بحقِّ شباب عزّل لم يتموا مرحلة التدريب على السلاح وفنون الحرب، وكيفية تجنب فخاخ الخديعة، وفرز الأصالة المألوفة عن الزيف المقنع بعلامات الوجاهة والحظ والبخت، وراح ضحيتها أرواح بريئة تقارب الـ٢٠٠٠ تكاد صيحاتهم واستغاثتهم تسمع في زحام قصور تكريت حيث مكان الفاجعة، وهي صيحات أرواح خالدة تجيب من يخاطبها، وترد سلام من يبتدئها بالسلام، وتنحب حين تسمع نحيب ام مفجوعة، وتهتز في مضاجعها محاولة شق الأرض للثم قدم طفل يرفسها تعقباً لرائحة أبيه المنبعثة من بين تراب يعجز عن فرز مثلها.

مذبحة عصية على النسيان ولا تستسلم لشريعة الزمن والأيام، وما أن تذكر حتى تقفز ذكرياتها وتعود إلى الأذهان مجرياتها وكيف وقعت تلك الفعلة الشنيعة والجريمة الفظيعة التي يندى لها جبينُ كلِّ حرٍّ شريف، ومن يسمعُ الشهادات ويغوصُ في فصول التحقيقات والروايات، وينقبُ عن التفاصيل والحقائق يخرج مصدومًا ،معطوبَ الحواس، من شدة الفعل وهول الواقعة، فكيف تم خداع الأبرياء بعسل الكلام ليتم سحبهم من معسكراتهم الحصينة إلى محطات موت فاقت أساليب المغول والتتار بلا تضخيم أو مبالغ، فمن ينقب التأريخ لا يجد سيّافاً بعمر ١٠ سنين!

مذبحة لم تأخذ نصيبَها من اهتمام الجهات المسؤولة، إذ لم تكتمل حلقات التحقيق بعد ولم يكشف من كواليسها إلا الخطوط البسيطة، وهو حال لا يمكن قبولُهُ إذ أن أهوال الإبادة التي نقل فصولها بعض الناجين يجب أن يوثّق وإن يصار إلى حفظ سرديات الشهود واعترافات أدوات الجريمة، ومن ثَّمَ نشرها وتدويلها ؛ليعي العالم حجم الظلم الذي لحق بهذا الشعب، ومن ثم خلق رأي عام واسع يدعم الاقتصاص من الفئة المجرمة، فمذبحة سبايكر جريمة ضد الإنسانية لا يمكن أن تسقط بالتقادم، ومن المحال إسدال ستار العقاب على منفذيها ومن دعمهم وخطط لهم وأمدهم بالمال والسلاح وتهيئة البيئة الراضية ولو بعد مرور عقود من الزمن عليها، فجرائم الإبادة وانتهاك حق الإنسان بالعيش لا تسقط بالتقادم، ولا تذوّبها طاولات المصالح السياسية!