ataba_head
banarlogo

رهَاب الجندية (10)

رهاب الجندية

(10)

الأستاذ المساعد الدكتور

رائد عبيس

 

 

 

وجد هذا الرّهاب وتطوّر، عندما  بدأت آلةُ الحرب، والنّزاعات الداخلية، والمراقبات الأمنية، تلاحقُ المواطنينَ العراقيينَ الذين لا يوالونَ حزبَ البعث أو يدعمون مواقفه،

تصاعدت مخاوف التجنيد ورهابه، عند أغلب الرجال من الشباب، ومتوسطي الأعمار منهم ، عندما وجودوا أنفسهم وقود لحروب ونزاعات عبثية ، وعندما أدركوا أنهم يدافعون عن نظام مزيف ومكروه من قبلهم ، وإن ما جندوا له مكرهين عليه، وأن تجنيدهم جاء على حساب مصالحهم ، وأعمالهم، ووظائفهم، ومدارسهم ، وجامعاتهم، وأطفالهم، وأهاليهم ،وأحلامهم.

تفاقمَ هذا الرّهاب عندما شعروا أنَّ حياتَهم التي حلموا بها، وباستقرارها النسبي الذي تحقق شيء منه ، قبل سيطرة حزب البعث المطلقة على الدولة بدأت تتبدد ، وإنَّ معالم الحرب بدأت تتحول أمر واقع، وديمومة النزاعات الداخلية العسكرية والأمنية باقية، ما دام النظام البعثي يعيش قلق وجودي في قبوله من قبل الشارع العراقي المكره على سلطته.

تحول رهاب الجندية من رهاب ذاتيّ إلى رهاب اجتماعيّ،  عندما بدأت مواكب ضحايا الحروب، تخط رحالها من أرض المعركة إلى صيحات البيوت.

وبدأ هذا الرّهَاب يشكّل هاجساً مميتاً، عند ممن تُشمل مواليدهم في الخدمة العسكرية، وتشكل معالم ظهور  هذا الرهاب، مع ارتداء الزي العسكري، وحلق الشعر، وذل التدريب القاسي، والخوف الأمني المصاحب لكل عملية، قد يكن فيها الجندي ضحية لعدم رضا مسؤوله الحزبي أو العسكري.

رهاب الموت المتصاعد، مع تصاعد واحتدام المعارك، والغارات ،والعمليات العسكرية،ورهاب الملاجئ، ورهاب النقلة العسكرية من معسكر إلى آخر، ومن موقع إلى آخر، حيث كانت هناك مواقع بالغة الخطورة، كان فيها المجند يودع كل محبيه، وداع المفارق بالموت، عند تبليغه أن موقعه الجديد سيكون هناك ، و رهاب الجثث في أرض المعركة، رهاب الجوع، والغدر، والخيانة، ورهاب القلق، ورهاب الفقد.

ازداد رهاب الجندية  عند طلبة المدارس، والجامعات، والخوف من الفشل بالدراسة الذي يكون بديله التجنيد الإجباري للالتحاق بالجيش؛لا سيما عندما خفضوا عمر  الالتحاق بالخدمة العسكرية والتطوع إلى 15 عام . فكان التحذير من الأهالي بحث أبنائهم على عدم الرسوب، وبدأ الأمر كذلك عند الطلبة الذين يدركون مصيرهم إن فشلوا في دراستهم،. فالرهاب الجماعي من الجندية أكل في نفوس العراقيين من جراء الزج بأبنائهم في حرب البعث العبثية وصراعاته الداخلية.

فالاستغلال العسكري للشبان، والأطفال ، دون عمر  ل 18 عام ، كان يشكل رهاباً شعبياً عاماً ،فضلاً عن كونه رهابا خاصا، يعاني منه كثير من الشباب، والأطفال جراء الخوف على مستقبلهم، ووجودهم، وأهاليهم.

وقد أشارت التقاريرُ الدوليةُ إلى هذه المشكلة ، ووجهت حكومة البعث إلى الكف عن زجِّ الأطفال في معسكرات التدريب، والتجنيد، وتهيئتهم، كأدوات لحروبها،فضلاً عن تخفيض سن التطوع على الأجهزة الأمنية وصنوفها، والذي استغل به النظام فقرَ الحالة الاقتصادية لكثير من العوائل التي تكون مضطرة لتطويع أبنائها، من أجل الحصول على راتباً شهرياً للمعيشة، كانت هذه المشكلة مؤشرة أيضاً في تقرير حالة حقوق الإنسان الذي قدمه ماكس فان في تقريره الخاص والمرقم 37 في 1999، والذي نبهت وحذرت عليه حكومة البعث،  ولكن لا إذن صاغية !