ataba_head
banarlogo

إرهاب الغارة

إرهاب الغارة

(9)

الأستاذ المساعد الدكتور

رائد عبيس

جامعة الكوفة

كلمة الغارة من الكلمات التي لها وقع خاص في مسامع العراقيين، إذ ألفوا هذه الكلمة، وتعايشوا معها بخوف، ورهبة كبيرة، تارة تأخذ بعداً عسكرياً ، ومرة أخرى تأخذ بعداً أمنياً، بين غارات جوية، وبرية، ونهرية، وبحرية تارة ثالثة.

استقر هذا المفهوم في حديث الخوف، والحذر، والأمن لدى الشارع العراقي، وهم يعدون العدة لأخذ كل الاحتياطات اللازمة للنجاة من الغارات المتوقعة عليهم.

وقد تعددت المحاذير بإجراءات مثل : فتح المنافذ ، تغليف الزجاج باللواصق، إطفاء المصابيح الخارجية، عدم اشعال النيران في المواقد، عدم إحداث أصوات مسموعة ، الحديث بصوت منخفض، التناوب في المبيت بين المتواجدين في المكان الواحد، الصعود على المنازل، المبيت خارج البيوت ، الاختباء مع المواشي، الاختباء في حفر معدة للاختباء، القلق الدائم والوجود الحذر، ومراقبة الشوارع، والجو، والأنهار، الابتعاد عن المواقع العسكرية ، والابتعاد عن المنشآت الحكومية والمدنية، لبس الأسلحة حتى في النوم، والتأهب لأطلاق النار أو للهرب، وتعتيم ألوان السيارات بالزيوت ، وصبغ الأبنية باللون الصحراوي، أو الأخضر، أو البني، أو الأبيض، واطفاء إنارة السيارات عند القيادة…وغيرها من الإجراءات الاحترازية، للتعتيم على الغارات الخارجية، والغارات الداخلية.

من أي غارة إرهابية كنا نخاف ؟

لا شك أنَّ الغارات العسكرية ،وغارات الطائرات الحربية كانت مصدر رعب أمني كبير، تسببت به حكومة البعث بحق شعب العراق ، سواء كانت من الطائرات الحربية للنظام نفسه، أو من الطائرات التي تستهدف النظام، وشعب العراق بسبب النظام .

 وأمتد هذا الرعب، والإرهاب الحربي، طيلة الحرب العراقية الايرانية ، وقد تسبب رعب، وإرهاب الغارات الجوية على سكان مناطق متاخمة لمنطقة الحرب بأضرار جسيمة، نفسية، ومادية أكبر، من أي موقع آخر.

 وقد تلتها إرهاب غارات التحالف الدولي، بقيادة أمريكا، وبريطانيا على العراق، إبَّان حرب الكويت التي تسببت بنزوح الأهالي، وإرهابهم، بشكل مباشر، ليكون عاملا مؤثرا على استقرار حكم نظام البعث، وتمهيدا لإسقاطه المفترض، أثناء الانتفاضة الشعبانية، والذي تسبب البعث أيضا ً بإرهاب مباشر مع إرهاب التحالف الدولي، وغاراته المشؤومة المرعبة للناس ، بقمع، وإيذاء، وخراب لكل البنى التحتية، ومنازل المواطنين وممتلكاتهم،في مرحلة قمع الانتفاضة.

وقد رافق هذا الخراب المادي المباشر ، الإرهاب النفسي الكبير الذي تعرَّض له الناس في العراق، وقد كانت الغارات تخرج بهدف خلق الرعب، والخوف، والقلق بين الناس من خلال اصوات الطائرات، أو تحليقها بشكل منخفض ، أو بث الغازات، والدخان الملون، أو كتابة العبارات في الجو، أو ألقاء المنشورات المهددة، والمخوفة للسكان بهدف إثارة الرعب بينهم ، وكذلك إحداث انفجارات صوتية في الجو… وغيرها من وسائل إرهاب الناس عبر الغارات الجوية.

من عاصر هذه المرحلة، يدرك تفاصيل هذا الإرهاب ضد الشعب العراقي من قبل النظام، أو أعدائه ، وأعداء الشعب العراقي.

 ومن لمن يعاصرها يمكن مشاهدة ذلك عبر الذاكرة الرقمية المسجلة على المواقع الفيديوية أو التسجيلية، يمكن كذلك أن يقارن إرهاب الغارات الجوية الاسرائيلية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني يومياً عبر ما يعرف “بالطائرة الزنانة” التي مهمتها إطلاق أصوات مزعجة يومياً عندما يجن الليل عليهم.

أما الغارات الأمنية البرية ، وهي الأكثر خطورة؛ لأنها ترتبط بالأحداث اليومية التي يعيشها الناس مع عناصر النظام ” البعثيين ” والذين يراقبون على الدوام سلوكهم ، ويرصدون تحركاتهم ، وعلى أساسها تتم الغارات ، إذا يقوم أزلام النظام بالغارات على القرى، والبيوت ، والمدن ، وعلى الأهوار، وعلى الناس فراداً ومجاميع، بعضها غارات شكلية وممارسة أمنية بقصد إيقاع الرعب، والخوف، والقلق والإرهاب في نفوس سكان المناطق المستهدفة بالغارة، ومرة أخرى غارة أمنية محسوبة، ومخطط لها،  ضد أهداف معينة بهدف الملاحقة، أو ورود معلومات استخبارية، أو مراقبة بكمين أو غيرها.

وقد سجلت التقارير الدولية ، الخاصة بتقييم حالة حقوق الإنسان في العراق لسنة 2000 مثل : تقرير أندرياس حالات كثيرة عن هذا النمط من الإرهاب الذي تمادى به النظام والدول المعادية للنظام، بحق الشعب العراقي ، فقد ذكر التقرير الخاص المرقم 42  لسنة 2000  انتهاكات حقيقية جراء قيام أزلام النظام بغارات على قرى، ومدن، بهدف ملاحقة الفارين من الخدمة العسكرية، أو معارضين للنظام ، تتسب بالعادة بقتل نساء، وأطفال، وكبار سن، وتخريب وحرق ممتلكات، وتفتيش البيوت بدون أوامر رسمية، وتهديم آلاف القرى في شمال العراق وجنوبه، وتجريف آلاف الدوانم من بساتين الفواكه والنخيل، كما حدث في الدجيل.

فإرهاب الغارات الأمنية، والعسكرية الجوية، كانت هاجس خوف، ومتلازمة من القلق، والرعب المستوطن، أثر على النفوس والعقول إلى يومنا هذا.