ataba_head

قصة وثيقة ( 23 ) أبناء البعثيين والانحراف

قصة وثيقة ( 23 )

أبناء البعثيين والانحراف

الأستاذ عبد الهادي معتوق الحاتم

 

 

 

 

 

هذه الوثيقة صادرة من مديرية الأمن العامة (ب غ ش ج) موقّعة من قبل مدير الأمن العام بتاريخ 25 / 5 / 1988 م تحت الرقم 30844 .

 وهي بمجملها عبارة عن تحقيق أمني لطفل لم يذكر عمره ومستواه التعليمي وهو ابن أحد البعثيين بدرجة نصير متقدّم كان يعمل مديراً فنياً في مقر القيادة القومية لحزب البعث وكما ذكرت الوثيقة التي يرجع تأريخها أواسط عام 1988 وكانت الحرب العراقية الإيرانية فيه مستعرة ونظام البعث في أزمته الخانقة فإن الطفل محمد خالد يوسف العاني اتصل هاتفيا بسيطرة النجدة بحي السلام ببغداد في يوم 24/4/1988 وتهجم على شخص الرئيس صدام وسبب تهجم الطفل على صدام إنما يرجع برأي المحققين إلى سوء التربية وفتح المجال له بالتسكع في الشوارع مما يعطيه الفرصة للالتقاء بعدد كبير من الصبية الذين يدفعونه إلى الشذوذ في تصرفاته تالياً ، وبعد مفاتحة القيادة القومية – مكتب الأمانة العامة لمعاقبة والده البعثي غير الحريص على تربية أولاده ونقله الى خارج مكاتب القيادة ، تم اطلاق سراح الطفل محمد.

إن الظروف التاريخية والسياسية التي كتبت فيها هذه الوثيقة كانت مرحلة حاسمة لإبراز أقصى درجات الاستبداد إذ شملت حتى الأطفال وذلك بسبب استمرار الحرب العراقية – الإيرانية التي تسببت في تفاقم الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولا ننسى في جميع الأحوال الخسائر البشرية والمادية التي تمخضت عنها .

ومن جانب آخر انعكست أزمة الحرب ذاتها على الحياة السياسية الداخلية لحزب البعث ومنظماته إذ لم يبق أمامه إلا ترديد الشعارات الفارغة. وفيما يتعلق بمضمون الوثيقة ، فيمكن القول بانها تجسد قمة الابتذال والافلاس السياسي والأمني في عراق عهد البعث ، إذ كانت مديرية الأمن العامة والقيادة القومية مكتب الأمانة العامة لحزب البعث منشغلتان بكلام طفل لم يذكر حتى عمره .

ويلاحظ أيضاً بأن الشارع في العهد ذاته من وجهة نظر حزب البعث كان مصدرا للشذوذ (والأطفال) الذين يلتقون فيه لم تحسن تربيتهم ولا يجوز بالتالي أن يكون البعثي أو أولاده مثله ..

هذه الوثيقة التي تحمل ختم مكتب أمانة سر القطر على نموذج كتاب خاص يرجع لسكرتارية رئاسة الجمهورية / مديرية الامن العامة ، تشكّل بمجملها نقطة جوهرية لسياسة البعث في العراق وهي عدم استثناء الأطفال عن الشرائح الاجتماعية الأخرى في المراقبة والعقاب من جانب واعتبار المجتمع غير البعثي مجتمعاً شاذاً .