ataba_head

إلى أين تذهب سيارة “الكوستر” ؟

إلى أين تذهب سيارة “الكوستر” ؟

د. حسنين جابر الحلو.

 

 

بعضهم وللأسف الشديد يحنُّ إلى أيام النظام المباد ، هل هو غير مدرك  أم لا؟ يريد أن يعرف كُل الأمور التاريخية تضع نقاط في الأحداث ضمن  موازينها ، لاسيما  عندما تشير إلى فترة أرادت من الشباب أن يكونوا عجلة حربية للموت ، من دون أن يكون هناك كلمة ؛ لأنَّ الكلمة ثمنها الموت .

في ذات يوم وأنا أمشي في شارع الإمام الصادق ” عليه السلام ” في المدينة القديمة في النجف الأشرف عام ١٩٩٧م وبالتحديد قبالة ” سوق المسابج ” ، وإذا بسيارة “كوستر ” وقفت مباشرة واعترضت الشارع ، ونزل منها أزلام النظام ، وهم يطلبون ” الهويات ” ” المستمسكات ” بصورة عشوائية ووحشية ، وعلى الرغم من أنني كنت طالباً في مرحلة الإعدادية ولدي مستمسك أصولي يثبت ذلك ، إلا أنني هربت بصورة لا توصف ؛ لأنَّ الضرب العشوائي والسب العشوائي كان حاضراً بين جملة وأخرى.

  وهنا ، وعندما شاهدت هذا المنظر المرعب ، وعشرات الشباب المؤمن وهم يصعدون “الكوستر” إلى حيث مجهول ، هربت بين الأسواق الضيقة،  حتى وصلت إلى عكد  سيد “حميد العطار ” ” رحمه الله تعالى ” ، ورأيت باباً لعمارة قديمة مفتوحاً فصعدت مسرعاً إلى الأعلى واختبأت ، علماً أن جلاوزة النظام كانوا يرصدون  أي شاب ويضعوه في “الكوستر”  من غير أن تنطق ببنت شفة.

هذا الأمر كان قرابة الساعة السابعة مساءً ، بقيت في المكان ذاته مختبأً إلى قرابة الساعة الحادية عشر ليلاً ، طبعاً لاوجود للتواصل ؛ لأن الهواتف حينها كانت أرضية،  فنزلت وأنا أترقب واتلفت ،إلا أن الأمر قد قضي ، ولا وجود لهذه “الكوستر” المشؤومة .

عندها هممت راكضاً نحو أقرب تكسي في الميدان منطلقأً إلى بيتنا وانا أتلفت ذات اليمين واليسار حتى وصلت بحمد الله واحتضنتني الوالدة وهي تدعو لي بالخير والسلامة  .

قد يسأل سائل ، لماذا هربت وكان لديك مستمسك ؟ أقول وبكل صراحة : في بعض الأحيان يكون الصعود عشوائي وفي المقرات الحزبية تكون التصفية ، إلى أن تثبت ذلك ، ستحصد العشرات من الشتائم والعشرات من الركلات وهكذا ، فالابتعاد أو الهروب كان أفضل،  لاسيما وأنا أنحدر من عائلة فيها المئات من المعدومين  ، خشيةً من القيل والقال ، وفتح ملفات قديمة ، أعمل جاهداً على الاختباء ، وأواصل دراستي حتى لا أقف عن طلب العلم .

هذه أحبتي ساعات من حياتنا في ذلك الزمان ، والذي يتبجح بعضهم ويقول يا ليت أيام ما قبل السقوط تعود ، أقول له اقرأ هذه الساعات وتصور ، وبعدها أحكم كيف كانت الساعات تمضي حينها ؟  عندها سيبان كل شيء والعاقبة للمتقين .