ataba_head

صناعة القائد الضرورة في مخيّلة العراقيين

صناعة القائد الضرورة في مخيّلة العراقيين

د. قيس ناصر

 

 

 

      في النظم الاستبدادية الشمولية، يُعد القائد مرتكزاً رئيساً لها، ولهذا الأمر تمثيل في حقبة ما قبل 2003م في العراق، ليس من خلال وجود القائد فحسب، إنما من خلال صناعة أو ترويج مفهوم القائد الضرورة أو القائد التأريخي الذي ساد تسويقه بشكل مكثف في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين من الماكنة الإعلامية لسلطة حزب البعث، لكن بالمقابل من ذلك لا يمكن مقارنة صدام مع أية قيادة شمولية في العالم، مثل: هتلر أو ستالين؛ لأن نتيجة المقارنة ستظهر لنا أن صدام قزم على وفق معايير القيادة الشمولية، إلا أن ما عُرف به منذ بداياته الأولى هي مجموعة من السلوكيات العنيفة، تمثلت في جزء منها بالقسوة وسياسة الخوف .

    لقد هيمّن صدام على مناصب الدولة العليا، فهو رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، والقائد العام للقوات المسلحة، ورئيس مجلس قيادة الثورة، وأمين عام القيادة القطرية لحزب البعث، ورئيس مجلس التخطيط الأعلى، ورئيس المجلس الزراعي الأعلى، ورئيس المجلس الأعلى لمحو الأمية الإجباري، ورئيس هيئات أخرى كثيرة.

ولم يكتف بهذه المناصب، إنما العُقد النفسية والدونية التي كانت مسيطرة عليه، دفعته لإيجاد ألقاب شرفية إلى جانب كل تلك المناصب، منها: الرئيس القائد، القائد المناضل، حامل اللواء، فارس الأمة العربية، بطل التحرير الوطني، الأب القائد، الفارس المغوار، والقائد الضرورة….

   حاول صدام وماكنته الإعلامية طوال فترة حكمه، من توظيف الأساطير، والأدب، والفن، من أجل صناعة أسطورته، بدءاً بالمناصب والألقاب مروراً بسلسة طويلة من عملية تسويق نفسه، لعل واحدة منها هي رواية الإيام الطويلة، والفلم الذي أنتج لاحقاً، وبات على كل عراقي أما أن يشتري الرواية إن كان موظفاً، وإن لم يكن كذلك،  فقد فرض عليه مشاهدة الفلم الذي عُرض بكثافة وطوال سنوات عديدة، من خلال استعارة مجموعة أساطير تستميل مشاعر وغرائز العراقيين، لأن المسؤولين عن تشكيل صورة صدام في مخيلة العراقيين يدركون تماماً ما للأساطير والفنون والأدب من تأثير، وعملوا على صناعة اسطورة، إلى اليوم، يحاول بعض المنتفعين منها تسويقها في ذهن جيل الشباب الذي لم يعش معاناة ومأساة تلك الحقبة .

   لقد وظف صدام ماكنة الإعلام بشكل كامل من أجل صناعة صورته لدى العراقيين والعرب، عبر أقوال تنسب له وسلوكيات وأنشطة، بوسائل حديثة حينها.

وقد عملت ماكنته على ربطه بالعراق فصدام هو العراق على وفق ما تم تسويقه، وتمت عملية محو لكل أرث بلاد النهرين وبات يُعرف العراق في الداخل والخارج بأنه عراق صدام، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تم ربط صدام بالعرب فصدام هو العرب وحامي البوابة الشرقية، نتيجة الأموال التي كانت تُبذخ بغزارة على  جزء من الصحافة والنخبة العربية، وهذه قصة اخرى يطول الحديث عنها. وفي سياق حامي البوابة الشرقية، فالواقع يشي بأن صدام هو الذي تنازل لإيران عن نصف شط العرب بموجب اتفاقية الجزائر في  العام 1975، ومن قاد حرباً، دمّر فيها العراق شعباً واقتصاداً، وفي موضوع حماية الأرض والسيادة، فقد تنازل عن مناطق عدة من العراق لدول الجوار، وهذا الأمر معروف للجميع ومتداول .

     تصف إحدى الباحثات الغربيات عملية صناعة القائد الضرورة، بوصف صدام، في سياق عالم خارق للبشر، وخارق للطبيعة، فتم تشبيهه بالنور والمطر، والشمس والقمر، والأسد والنسر، وفارس العرب أو فارس الأمة العربية، والسيف ….، وكان العاملون في ماكنته الإعلامية يرجعون إلى التاريخ الإسلامي من أجل المقاربة، والتأسيس للمفاهيم التي يتداولونها لوصفه، فالفارس العربي في إشارة إلى الشخصية العربية التي تتصف بالتسامح والمعرفة والشجاعة وغيرها وكل ذلك ليس له تمثيل في سياسة القسوة والخوف التي انتهجها صدام ضد الشعب العراقي أو في نهايته التي شاهدها الجميع (الاختباء في حفرة) .

    على رأي أحد المشتغلين في مجال التحليل النفسي، وفي سياق تحليله لشخصية صدام، قد ذكر أن له شخصية نفسية عصابية تميل الى عدم الاستقرار، وأن صورته المتمثلة بالغيور على شرف المرأة العراقية قد قابلها سكوته عما فعله أبنه من هتك لشرف العديد من العراقيات، وشخصية سايكوباثية تتصف بالسادية والعنف والقسوة، فضلاً عن تحولات صدام من دائرة الإهمال الأسري إلى الاهتمام الجماهيري والحزبي الاقتحامي والمناضل والبطل والرمز.

كل ذلك قد ساهم به دور نخبوي لإيهام الناس بأن صدام هو القائد الضرورة، فضلاً عن حاجة جماهيرية، بعض منها يتمثل بـ توحيد الأمة العربية في دولة واحدة لم تستطع أن تتشكل بين دولتين، وحرية مفقودة، واشتراكية لم تطبق .