ataba_head

دراسات متقدمة في الجغرافية السياسية (الحرب على الإرهاب)

دراسات متقدمة في الجغرافية السياسية (الحرب على الإرهاب)

 

        م. د.  قادسية حسين جاسم الذهبي           

وزارة التربية والتعليم-  مديرية التربية الرصافة الثالثة

 

 

 

 

كلمة الإرهاب بحد ذاتها هي كلمة مثيرة للجدل إذ أن للكلمة معاني عديدة يعتمد على الانتماء الثقافي والديني للشخص حيث أن للكلمة معاني مقبولة في العقيدة الإسلامية وتشير إلى تخويف أعداء الله استنادا إلى النص القرآني  في قوله تعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) .

أما الإرهاب في معجم المصطلحات السياسية والدولية، هو بث الرعب والذعر في نفوس الأفراد والجماعات عن طريق استخدام العنف غير المشروع، أو التهديد باستخدامه، من قِبل دول أو أفراد أو منظمات، بُغية تحقيق هدف ما يكون غيرَ مشروع، “فالإرهاب” هو اعتداء على حق، بخلاف المقاومة التي هي دفاع عن حق، ومما يعتبر “إرهابًا” -حسب المعجم نفسه- كل عمليات الاغتيال والقتل، والتشويه، والتعذيب والتخريب، بهدف كسر روح المقاومة عند الأفراد، أو هدم المعنويات عند الهيئات والمؤسسات، أو بهدف الحصول على معلومات أو مال، أو بشكل عام استخدام الإكراه لإخضاع طرف مناوئ لمشيئة الجهة “الإرهابية”.

 

الحرب على الإرهاب

وتسمى أيضاً الحرب العالمية على الإرهاب ويطلق عليه البعض تسمية الحرب الطويلة هي عبارة عن حملة عسكرية واقتصادية وإعلامية تقودها الولايات المتحدة وبمشاركة بعض الدول المتحالفة معها وتهدف هذه الحملة حسب تصريحات رئيس الولايات المتحدة السابق جورج دبليو بوش إلى القضاء على الإرهاب والدول التي تدعم الإرهاب.

بدأت هذه الحملة عقب هجمات 11 سبتمبر 2001 التي كان لتنظيم القاعدة دور فيها وأصبحت محوراً مركزياً في سياسة الرئيس الأمريكي السابق جورج  بوش على الصعيدين الداخلي والعالمي وشكلت هذه الحرب انعطافة وصفها العديد بالخطيرة وغير المسبوقة في التاريخ لكونها حرباً غير واضحة المعالم وتختلف عن الحروب التقليدية بكونها متعددة الأبعاد والأهداف.

في مايو 2010 قررت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما التخلي عن مصطلح “الحرب على الإرهاب” والتركيز على ما يوصف بـ”الإرهاب الداخلي”، وذلك في استراتيجيتها الجديدة للأمن القومي. ونصت الوثيقة على أن الولايات المتحدة “ليست في حالة حرب عالمية على “الإرهاب” أو على “الإسلام”، بل هي حرب على شبكة محددة هي تنظيم القاعدة و”الإرهابيين” المرتبطين به

الحرب على القاعدة:

بعد أحداث إسقاط برجي التجارة العالمية أصبح “تنظيم القاعدة” العدو الأول للولايات المتحدة الأمريكية، حيث اختصرت “الإرهاب” والحرب عليه في القضاء على التنظيم وزعمائه دون البحث في مسببات ذلك,  لقد كان البحث عن عدو لامتصاص الغضب الشعبي الأمريكي هو أولوية الإدارة الأمريكية بقيادة “بوش الابن”، فوجدت في محاربة “القاعدة” المخرج من أجل تصريف أزمتها السياسية وفشلها في تأمين الداخل الأمريكي، حيث كان من المستحيل توقع أن الولايات المتحدة ستهاجم في عقر دارها , لقد كان السبب المباشر الذي استندت إليه الولايات المتحدة الأمريكية في عدوانها على أفغانستان هو محاكمة أسامة بن لادن أمام القضاء الأمريكي؛ لتورطه في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إذ استندت في ذلك على شريط فيديو مسجل يردد فيه :” والله لن تنعم أمريكا بالأمن بعد اليوم” مما اعتبرته بمثابة تنفيذ لتهديداته، حيث سبق وأن اتهمت الولايات المتحدة زعيم “تنظيم القاعدة” وشركائه بالوقوف وراء تفجيرات 7 أغسطس/ غشت 1998 على السفارة الأمريكية بنيروبي بكينيا، وكذلك السفارة الأمريكية بتنزانيا، بالإضافة إلى اتهامه -تنظيم القاعدة-  بتصدير “الإرهاب”، والاستعانة بالمرتزقة الأجانب للقيام بأعمال عدائية انطلاقًا من الأراضي الأفغانية, في 20 سبتمبر 2001، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان رئيسها “جورج بوش الابن”، بداية “حرب شاملة للخير ضد الشر”، حرب لا بداية ولا نهاية ولا حدود ولا وجه لها: “حربنا ضد الإرهاب تبدأ بالقاعدة، ولا تنتهي عندها، ستنتهي الحرب عندما تحدد وتوقف وتهزم كل جماعة إرهابية قادرة على الهجوم على الصعيد العالمي, فردنا لن يتوقف عند ضربات انتقامية معزولة, على كل دولة أن تتخذ قرارًا، إما أنكم معنا أو مع الإرهاب, هذه الحرب هي ليست أمريكية فقط، بل هي حرب حضارية.

لقد أشار أحد المسؤولين الأمريكيين بوزارة الخارجية الأمريكية ، أنه تم إزالة أكثر من 20 قياديًا كبيرًا في “تنظيم القاعدة” المتمركزين في أفغانستان وباكستان منذ مجيء الرئيس “باراك أوباما”، بعد أن كان تنظيم القاعدة أكثر قوة في سنة 2009 أصبح اليوم شبه ضعيف حسب قول المسؤول الأمريكي، خصوصًا بعد مقتل زعيم التنظيم سنة 2011، حيث أصبح الهيكل الأساسي للتنظيم في الطريق نحو الهزيمة.

إن الولايات المتحدة بحربها على “الإرهاب” لم تكن تدري أنها توفر الأرضية الخصبة لانتعاشه، أو ربما كان ذلك هو قصدها حتى يتم إلصاق “الإرهاب” بالإسلام والمسلمين، في المقابل هي توفر البنية التحتية لتكاثر الجماعات المسلحة بتخريب الدول وبنياتها الأساسية وإضعاف مؤسساتها، ومع غياب سلطة قادرة على فرض القانون وجيش يستطيع حماية الدولة وحدودها، فنكون أمام مجال خصب لانتشار جماعات متطرفة.

ففكر التنظيمات الجهادية المسلحة يرتكز على فشل الدولة، وهشاشة المجتمعات، وهي تنجح في منحاها العنفي المسلح حين تتمكن من توظيف الظروف المعيشية الصعبة في أي بلد لإقناع مجنديها بأن الحل لهذه الظروف هو القضاء على تلك الحكومات التي تتحمل المسئولية عن هذه الظروف بتقنينها الفساد المالي، والابتعاد عن تحكيم الشريعة .

إن “تنظيم القاعدة” ولو أن العديد من المحللين يؤكدون على هزيمته وبداية أفول نجمه، إلا أن الدور الذي قام به في التأسيس لمرحلة جديدة من تاريخ السلفية الجهادية يبقى كبيرًا، حيث أن الإيديولوجية الجهادية التي نشرها وسط المجموعات المسلحة أصبحت ظاهرة على الصعيد الدولي، فالتنظيمات المسلحة أصبحت تعلن ولاءها للقاعدة، و تتبنى منهجها دون أن يربطها بها رابط الجغرافيا أو ساحة الصراع، وبالتالي فنحن أمام “عولمة الفكر الجهادي”، حيث ساعد على ذلك كثرة الصراعات والحروب في الدول الإسلامية، مما يسهل معه جذب عدد كبير من المتطوعين للانضمام لتلك الجماعات، فإن تم القضاء عليها عسكريًا في جبهة ما، تظهر مجموعة أخرى في جهة غيرها، حيث أصبحنا نجد تنظيم القاعدة في العراق واليمن وسوريا والصومال والصحراء الكبرى وغيرها.

التهديدات الإرهابية:

وفقًا للاستراتيجية الأمريكية ، فإن تنظيم داعش لازال يمتلك وسائل اتصال وإعلام إلكترونية متطورة تسمح له بتجنيد أتباع جدد، وتمكنه من شن العشرات من الهجمات داخل البلدان المستهدفة، بما في ذلك الولايات المتحدة، رغم النكسات التي يتعرض لها, وأن زيادة الهجمات التي يشنها الأشخاص الذين تم تعبئتهم لتبني العنف تؤكد على قدرة تنظيم “داعش” على إلهام أتباعه بتنفيذ الهجمات الإرهابية في كافة أنحاء العالم.

وأشارت الاستراتيجية إلى أنه لازالت هناك محفزات للإرهاب والتطرف، حددتها مثل: التطرف العنصري، والتطرف البيئي، وتطرف المواطنين في الدفاع عن حقوقهم، وتطرف الميلشيات. وقد لاحظت أن تلك الأشكال من التطرف داخل الولايات المتحدة في ارتفاع, ولهذا دعت الاستراتيجية إلى إجراء تحقيقات ودمج للمعلومات حول الإرهابين المحليين الذي لا تحركهم الأيديولوجيات المتطرفة ونظرائهم في الخارج.

الأهداف الرئيسية للحرب على الإرهاب : استنادا على منشورات المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية وهو معهد بريطاني تأسس عام 1958 فان الأهداف الرئيسية للحرب على الإرهاب يمكن تلخيصها بالنقاط التالية:

  1. قطع الملاذ الآمن للإرهابيين للحيلولة دون إنشاء معسكرات تدريب أو رص صفوف أعضاء ما يسمى بالمجموعات الإرهابية
  2. قطع تدفق الدعم المالى لما يسمى بالمنظمات الإرهابي
  3. إلقاء القبض على المشتبهين بانتماءهم إلى ما يعتبر مجاميع إرهابية
  4. الحصول على المعلومات بطرق مختلفة مثل الاستجواب والتنصت والمراقبة والتفتيش
  5. تحسين مستوى أداء أجهزة المخابرات الخارجية والأمن الداخلي
  6. تقليل أو قطع الدعم من المواطنيين المتعاطفين لما يسمى بالمجموعات الإرهابية عن طريق تحسين المستوى المعيشي وتوفير فرص العمل.
  7. الاستعمال الكثيف لأجهزة التنصت لكي يكون اعتماد ما يسمى بالمجاميع الإرهابية على الوسائل البدائية البطيئة في التواصل ونقل المعلومات.
  8. إقامة علاقات دبلوماسية متينة مع حكومات الدول التي تشكل جبهة للحرب ضد الإرهاب. و هذه النقاط المذكورة من قبل المعهد تظهر بوضوح مدى تشعب هذا النوع من الصراع حيث أن هناك جهود عسكرية واقتصادية واستخباراتية وأمنية ودبلوماسية حكومية ودبلوماسية شعبية يجب التنسيق بينها

داعش ولادة تنظيم جديد من رحم القاعدة:

لم تكد تضع “الحرب على الإرهاب” أوزارها، حتى ظهر تنظيم يطلق على نفسه “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، يصنفه المتتبعون على أنه أكثر خطورة وعنفًا من تنظيم “القاعدة”، الذي استنكر في كثير من الأحيان منهج وخط “داعش” الجهادي، حيث التعامل بوحشية وعنف مع الرهائن ومعارضيه، وكل من يخالف قوانينه في مناطق نفوذه، فأصبح التنظيم أكثر قوة وتنظيمًا، مستغلًا غياب الدولة في كلٍ من العراق وسورية، وكذلك انتشار الأسلحة وأشياء أخرى, تتمتع “داعش” بالقدرة على القيام بعمليات على جانبي الحدود السورية العراقية، رغم انهماكها في حرب داخلية “جهادية” مع تنظيمات أخرى “كجبهة النصرة” و”أحرار الشام” وجماعات أخرى، إلا أنها ما زالت تسيطر على الرقة وعلى جزء كبير من شرق سورية، خارج المناطق التي يسيطر عليها الأكراد على الحدود مع تركيا، ووصفت( “جيسيكا د. لويس” من معهد دراسة الحرب), في دراسة عن الحركة الجهادية , إذ وصفت “داعش” بأنها “منظمة قوية ومرنة للغاية وقادرة على العمل من البصرة وصولا إلى الساحل السوري”

أن أكبر عامل ساعد تنظيم “داعش” على إحكام قبضته على مناطق شاسعة وخاصة في العراق، فالحكم القائم على منطق الطائفية يكرس الفُرقة ويهيئ الظروف للصراعات الداخلية، التي تجعل كل طائفة تلتف حول قوة تدافع عنها وتوفر لها الحماية مضطرة لا راغبة.

إن الاختلاف الذي يميز “داعش” عن التنظيم الأم “القاعدة”، أن القاعدة تركز “جهادها” على إخراج غير المسلمين والتي تعني بهم القوات الأجنبية بشبه الجزيرة العربية من المنطقة، ومحاربة العدو الأول أي الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبرها العدو الأكبر للإسلام والمسلمين، أما “تنظيم الدولة الإسلامية” فقد تطور طموحه إلى إقامة دولة إسلامية أو “دولة الخلافة” كما يسمونها، فالاختلاف حاصل في الأهداف السياسية، أما الأمور العقائدية ومن حيث الحكم بما يرونه تطبيقًا لأحكام الشريعة ليس فيه خلاف، كما أن ظروف المنشأ لا تختلف كثيرًا، فالحرب الأفغانية السوفيتية، خلفت ورائها تنظيم “القاعدة” الذي تشكل من مجموعة من الجهاديين الذين ذهبوا لقتال القوات السوفيتية بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية، وتنظيم “داعش” نتج عن الحرب الأمريكية على “الإرهاب” في العراق، أي أن الحروب غير العادلة، والتي تتجاوز مبادئ القانون الدولي، هي المسبب الرئيسي في تكاثر الجماعات المسلحة المتطرفة والتي يصنفونها في خانة “الإرهاب”.

لقد تضاعف العنف المصنف في خانة “الإرهاب” أربع مرات منذ الحادي عشر من سبتمبر، وتُعتبر دول العراق وأفغانستان وباكستان من أكثر الدول المتأثرة به، وذلك حسب دراسة قام بها معهد “علم الاقتصاد والسلام” -مركز أبحاث أمريكي أسترالي- حيث أشارت الدراسة إلى سقوط 7473 قتيل سنة 2001 بانخفاض 25% عن سنة 2007 الذي شهد ارتفاعًا مهولًا في الوفيات جراء العمليات “الإرهابية،. وأكدت الدراسة على أن التدخلات العسكرية الأمريكية في إطار “الحرب على الإرهاب” هي السبب في تفاقم الأوضاع الأمنية في العالم، وقال الرئيس التنفيذي لمعهد الاقتصاد والسلام “ستيف كيليليا” أنه: “بعد أحداث 11 من سبتمبر 2001 تراجع النشاط الإرهابي إلى ما قبل مستويات العام 2000 حتى غزو العراق والأمر منذ ذلك الحين في تصاعد كبير ,لم يتم الإقرار بتفاقم قوة وامتداد هذه التنظيمات الجهادية التي تنشط في سورية والعراق من قبل السياسيين الغربيين والإعلام الغربي إلا في وقت قريب، وذلك بسبب أن الحكومات الغربية وقواها الأمنية تحدد خطر الجهاديين على أنهم ينتمون إلى تلك القوات التي تسيطر عليها القاعدة المركزية، وهذا يمكنهم من تقديم صورة أكثر وردية عن نجاحاتهم في ما يسمى “الحرب على الإرهاب” بدلا من إعطاء ضمانات مبنية على براهين، فالجماعات الجهادية القريبة إيديولوجيا من القاعدة أعيد تصنيفها على أنها معتدلة في حال اعتبرت أعمالها داعمة لسياسة وأهداف الولايات المتحدة الأمريكية

لقد ساهمت العديد من العوامل في تفاقم الوضع الأمني، وتزايد عدد الجماعات المسلحة باختلاف ولاءاتها حسب مصلحة القادة العسكريين لكل فصيل، وكذلك مصادر التمويل، حيث كان المقاتلون المنضمون من بلدان أخرى لأجل “الجهاد”، في بعض الأحيان يقاتلون بعضهم بعضًا دون معرفة، رغم أنهم قَدِموا من أجل هدف واحد، وذلك حسب ولاء الجماعة التي انضموا إليها، والحدود التي عبروا منها.

خلاصة القول، إنه رغم تبني الاستراتيجية القومية لإدارة “ترامب” لمكافحة الإرهاب اللهجة القتالية التي تبنتها إدارة الرئيس “جورج دبليو بوش” في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، حيث تشير إلى أن الولايات المتحدة في “حالة حرب”، إلا أن الكثير من السياسات التي تضمنتها تتشابه مع تلك التي طرحتها استراتيجيات الإدارات السابقة كمجابهة الإرهاب من خلال عزل الإرهابين عن مصادر دعمهم، ومنع سيطرة الإرهابيين على الأسلحة، وضرورة مشاركة الحلفاء في تحمل عبء مكافحة الإرهاب, ولم تتضمن الاستراتيجية الجديدة عددًا من السياسات التي روج لها الرئيس “ترامب” منذ اليوم الأول له في البيت الأبيض لمواجهة التطرف والإرهاب داخل الولايات المتحدة، مثل: حظر دخول المسلمين وبناء جدار على الحدود مع المكسيك، لما تثيره من رفض بين عديد من مسئولي الإدارة الأمريكية.