ataba_head

التعذيب المنظم  5 قراءة في تقرير الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 1996

التعذيب المنظم  5

قراءة في تقرير الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 1996

الأستاذ المساعد الدكتور

رائد عبيس

عضو المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف

 

 

بقي العراقُ كبلدٍ فرض عليه واقعين , واقع حكم الطاغية, وواقع عداء دول كثيرة له ولشعبه ,  تمثل ذلك واتضح , من خلال دعم النظام في عدوانه على شعبه وجيرانه, ومن خلال عدم التدخل والسكوت طويلاً عن تغيير واقع الشعب العراقي ومحاولة انقاذه  على الرغم من التزام كثير من الدول في المواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان .

إلا أن ذلك الالتزام لم يترتب عليها شيء يسهم في تقديم إسعافات سريعة وحلول مناسبة لإنقاذ العراق وشعبه من الإبادات التي يتعرّض لها بشكل يومي ومستمر, على الرغم من أنَّ الأمم المتحدة وأعضائها والجمعية العامة تذكر في تقاريرها دائماً التزامها بما ورد في مواثيقها المقرة بشأن حقوق الإنسان, إلا أن الإدانات في واقع الحال لا تكفي في حسم موقف حماية الشعب العراقي من الظلم الذي تعرض له , وتخليصه من التعذيب المنظم.

ذكرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في تقريرها الصادر في 6 آذار 1996 وصفاً لحالات القمع والتعذيب الذي اصطلحت عليه ” التعذيب المنظم ”  بحق أبناء الشعب العراقي , وطالبت حكومة العراق بكفالة حقوق الإنسان في العراق – إلا أنها في الواقع هي مطالبات تقريرية  لا يستمع لها النظام ولم يؤخذ بها – وهي صيغ طالما تكررت في كل تقارير الأمم المتحدة, ومجلس حقوق الإنسان, تؤكد فيه حجم الاستنكار, والإدانة , واظهار القلق, والاستغراب, والانزعاج مما يحصل .

قصدت الجمعية العامة بمصطلح “التعذيب المنظم ” في هذا التقرير كل عملية تعذيب تطال المواطن العراقي جراء تهم سياسية بطرق تعذيب معروفة تقليدية أو طرق تعذيب مبتكرة, سواء كانت في السجون أو خارج السجون, وقد كانت تتصف بالقسوة, والإهانة, والوحشية, والإجرام الفعلي الذي هو دون الإنساني بشكل تام .

كما أن هذا التعذيب المنظم قد أخذ صيغ عدة , لا ينحصر في وسائل التعذيب الجسدي أو النفسي, بل أخذ أبعاد أخرى من قبيل تدمير المحاصيل الزراعية وقت مواسمها, وتعطيل الحياة الاقتصادية للأسواق نتيجة التضييق , وفرض غلق الأسواق, ومنع حركة مرور الناس لها بانسيابية من دون خوف أو رعب, وكذلك تعطيل التيار الكهربائي وقطعه عن كثير من المناطق المشمولة ببرامج التعذيب.

ما ذكره التقرير في وصفه لما تقدم من اساليب التعذيب المنظم كمنهج أتخذه النظام البعثي الفاسد بحق شعبه ,وفي الفقرة الثانية منه على أن حجم شمولية القمع, والتعذيب, والاضطهاد, يرقى إلى مستوى الإرهاب الواسع لكل ما يتعلق بحياة الناس.

فالتعذيب غير العادي والذي يفوق كل المتوقعات , كان يمثل غاية التعسف بسبب عدم مراعاة أي معيار قانوني مهني.

وعدم اتاحة الفرصة للاستفادة من كل الموارد الطبيعية في تخيف حدة قسوة الحصار الاقتصادي الذي فرضه أعضاء في مجلس الأمن بسبب النظام البعثي – وهنا تقع المفارقة في دعوات انقاذ الشعب العراقي من التعذيب المنظم الذي تنوع بين جرائم البعث وبين الحصار الاقتصادي وتداعيته الذي ممكن أن يكون جزءا من التعذيب الأممي المنظم بحق الشعب العراقي إلى جانب تعذيب البعث المنظم.

فأساليب البعث القمعية, وتعذيبه المنظم, لا يقل خطورة عن التعذيب العام والشامل للشعب العراقي, في عقوبة الحصار الاقتصادي الذي منع فيه الإنسان العراقي من الحصول على حقه في الغذاء والدواء, وإن كانت هناك وسائل في وصول ما يخفف عن الشعب العراقي حاجته من ذلك, إلا أن سلطة البعث كانت تمنع وصوله إلى مستحقيها, وهنا يكون منهج التعذيب المنظم منهج متبادل الأدوار, ومتكامل في تدمير بنية الشعب العراقي وخصائصه الاجتماعية عبر هذه الأساليب, بين أمم فرضت عليه وسائل تعذيب, وبين نظام قد ابتكر لأجل ذلك طرق وأساليب شتى.