إعـلام بناء السلام وتحويل الصراع
د. محمد وليد صالح
أكاديمي وكاتب عراقي
الثقافة والوعي المجتمعي هي نتاج ما تقدمه وسائل الإعلام من محتوى هادف يشمل على مايتبناه من خطاب كراهية أو بناء السلام وتحويل الصراع، وتظهر العلاقة بين الإعلام والمجتمع بشكل متداخل وفعال إلى حد كبير وبالتالي فهي تسهم في تأسيس مهم لهذه الثقافة، ويشير البروفيسور يوهان غالتونغ إلى أسلوبين هما إعلام العنف وإعلام السلام، بواسطة تأثير الخطاب الإعلامي في تعزيز التماسك المجتمعي ووحدته من اجل التصدي لأي محاولات إعلامية مضادة، يزداد تأثيرها في البيئات المأزومة من الناحية الأمنية، لأنه يجد مكانة داعمة ومساندة له، وكان العراق من بين البلدان العربية التي عانت من الأزمات والصراعات المستمرة على مدى تأريخه السياسي الحديث.
صحافة السلام
يشير البروفيسور يوهان غالتونغ في كتابه الموسوم بـ “التغطية الإعلامية للنزاعات: التوجهات الجديدة لإعلام السلام”. إذ يعد المؤسس لدراسات السلام منذ نصف قرن، وطوّر الأسس النظرية لما أصبح يسمى بـ”إعلام السلام”، وقد غدت هذه المادّة تُدرَّس اليوم في العديد من كليات الإعلام في العالم.
إذ يميز بين إعلام العنف وإعلام السلام، بوصفهما أسلوبان يتم انتهاجهما في التغطية الإعلامية للنزاعات الناشبة، إذ يتوقف اختيار هذا الأسلوب أو ذاك، على ما إذا كان التركيز معتمداً على العنف والحرب ولـمن ينتصر في النزاع، أم أنّ التركيز يكون على النزاع ذاته وعملية تحويله على نحو سلمي، بل قد يختلط الأمر في كثير من الأحيان على وسائل الإعلام، فتعجز عن التمييز بين الاثنين وتتحدث عن النزاع وهي تقصد في واقع الأمر العنف.
إعلام العنف
يغطي النزاع وكأنّ الأمر يتعلق بمعركة ليس إلا، ويتم تصوير المعركة كما لو كانت ساحة مباراة رياضية، ويتم تقديم الأطراف التي تختصر عادة في طرفين لا غير، على أنهما متحاربان يحاول كل منهما فرض أهدافه، فضلاً عن إنموذج التغطية الإعلامية الذي يعد أساس هذا الطريق نجده مجسداً في الأسلوب المتّبع من هرم الإدارة العليا الذي يتمحور حول: من يحرز تقدماً؟ من يستسلم دون أن يحقق أهدافه؟ وإحصاء الخسائر البشرية والمادية.
في هذه الحالة يعتمد منظور الحصيلة الصفرية على أسلوب إنموذج التغطية الرياضية، إذ إنّ الفوز ليس كل شيء فحسب، بل هو الهدف المتوخى، وتتضح الأمور أكثر، عندما يُنظر إلى أعمال العنف من منظور “نحن في مواجـهتـ(هم)”، فيكون النظر إلى الـ(هُم) سواء أكانوا أعداء أم أصحاب ميل فطري وطبيعي إلى العنف، يشكلون خطراً واضحاً وقائماً يستدعي إخضاعهم للرقابة والردع، وثَمّ يمكننا تلخيص هذا المنظور في الآتي: استعمل ما يكفي من القوة، تحصلْ حتماً على الأمن المنشود.
إعلام السلام
يركّز على النزاع ذاته وعلى كل ما له صلة بتحويل وجهته. فثمة خطر كامن وعنف حقيقي، لكن هذا الخطر الداهم يستمدّ جذوره من نزاع عالق ينتظر حلاً، ومن شأن هذا النزاع، في حال استمراره، أن يفضي إلى سلسلة من الأعمال الانتقامية، وعلى سبيل المثال النزاعات التي تطرحها إشكالية وجود 2000 قومية، كل واحدة منها ترغب في الحصول على وضعية الدولة القومية في عالم لا يتسع لأكثر من 200 دولة، منها 20 دولة قومية فقط، هي بمثابة تحديات تستدعي توفر روح إبداعية قادرة على مواجهتها.
ومن أولى التحديات التي واجهها الإعلام العراقي على وجه الخصوص هي كيفية إيصال مفهوم بناء السلام وحرية التعبير واحترام الرأي والرأي الآخر، بهدف ايجاد بيئة محمية من الفتن والكراهية والتطرف، إذاً فالإعلام هو سلاح ذو حدين لذا فهو يتطلب مهارة عالية في كيفية توظيفه بالشكل الصحيح، ومراقبة المحتوى الإعلامي المقدم إلى الجمهور، من اجل تقويمه ودراسة تأثيره بدء من مرحلة إعداده ولغاية تأثير رسالته على فئة الجمهور المستهدف.
هل العراق بحاجة إلى إعلام بناء السلام والتماسك المجتمعي؟
يقترب نجاح تجربة العراق الإعلامية في بناء السلام وتحويل الصراع، بالاعتماد على وجود خطط استراتيجية واقعية التنفيذ واضحة الأهداف من المؤسسات الإعلامية الرسمية وغير الرسمية، من جانب آخر تعمل المنظمات غير الحكومية أو المجتمع المدني على إرساء أساس هذا التماسك المجتمعي، بوساطة تنظيم ورشات العمل والبرامج التدريبية في مجال تشكيل الوعي والشعور بالانتماء الوطني، وهذا يقود إلى وضع التساؤل.. ما مدى تأثير هذه الرسالة ما لم يتوافر لها تقديم الدعم من الجهات الإعلامية الرسمية لها، من أجل ادائها بشكل صحيح؟.
فالخطاب الديني يعد من أكثر وسائل التأثير في المجتمع العراقي، وغالباً مايكون هذا الخطاب داعياً للتماسك والتناغم بين مكونات المجتمع، إلا انه يحتاج لفعاليات محلية داعمة له على وفق خطط استراتيجية تخص قضية التماسك المجتمعي، فضلاً عن التأكيد على فاعلية الإجراءات الحكومية الرادعة للخطاب السياسي الذي يتنافى مع مبدأ التماسك المجتمعي، وكذلك التصريحات الصحافية المتذبذبة وغير المسؤولة والمنقولة عبر المنابر الإعلامية المختلفة، من دون معرفة مصادرها بأنعكاس هذا التصريحات على واقع المجتمع ووعيه وتفكيره وحركته.
ومن ركائز التنشئة الاجتماعية هي دور الأسرة في تعزيز ثقافة خطاب السلام وقبول الاختلاف مع الرأي الآخر والتعايش السلمي، من طريق تبني منظومة برامج إعلامية موجهة لبث هذه الأفكار إلى أفراد المجتمع، وكذلك تفعيل دور النخب الاجتماعية المتزنة في خطابها والاستعانة بالخبراء منهم في كيفية صياغة لغة تعزيز التماسك المجتمعي وثقافته، للإفادة من تجارب المجتمعات التي عاشت ظروفاً مشابهه وليس من طريق نسخ تجاربها، من اجل توظيفها لكي تناسب خصوصية المجتمع العراقي، عبر برامج تدريب إعلامي بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائيUNDP لتدريب العاملين في المؤسسات الإعلامية وزيادة مهارات الصحافيين في تقديم تغطية موضوعات بناء السلام تهدف إلى تعزيز التماسك المجتمعي، من طريق الحيادية والشفافية في نقل الحقائق كما هي دون تزييف أو تلميع، بهدف نبذ خطاب التطرّف أو العنف أو التعصب أو عدم المساواة.