ataba_head

الإبادة البيئية حزب البعث في ارتكابه جريمة تجفيف الأهوار-2

الإبادة البيئية

حزب البعث في ارتكابه جريمة تجفيف الأهوار-2-

د. قيس ناصر

 جامعة البصرة

تشكلّت الأهوار في منخفض من التقاء نهري دجلة والفرات-جنوب العراق، وهي موطنٌ لعرب الأهوار، الذين لديهم ثقافة خاصة في نوعها، ويعتاشون على صيد السمك النهري، وتربية الجاموس، والزراعة.

 في ربيع عام 1991م، شنَّ نظامُ صدام حملةً منظمة لتجفيف مياه الأهوار وتدمير القرى السكنية، وبحلول عام 1994م، بات ما يقاب من الــ(3000 كليو متر) مربع من المسطحات المائية جافاً، ويقدر أن 200 ألف شخص فقدوا منازلهم .

   اعتمد نظام صدام أسلوباً جديداً في تدمير الأهوار، فتم تعيين المقبور علي حسن المجيد، المسؤول عن حملة الانفال في شمال العراق، لتكرار أنفال جديدة، لكن هذه المرة في جنوب العراق، إذ إن في المرحلة الأولى، عمل على إنشاء حاجز حول الأهوار، وتم تدمير القرى وتهجير سكانها، ونتيجة لذلك هلكت قطعان الجاموس وحظر الصيد، وحتى البيئة اعتبرها صدام عدواً له، ويجب التغلب عليها .

   بعد عامين من قمع انتفاضة 1991م، عاد علي حسن المجيد إلى تجفيف الأهوار مرة أخرى، وحرق القصب ودمر كل بُناها التحتية (البسيطة)، وتأكد من تهجير السكان بشكل كامل.

واللافت في هذه العملية الإجرامية أنها لم يُسلط عليها الاهتمام الكافي مثلما حصل في عملية الأنفال شمال العراق، أو أية عملية إجرامية أخرى ارتكبها نظام صدام، فتجفيف الأهوار وتهجير مئات الآلاف من السكان الذين أغلبهم لم يعُد إلى موطنه حتى الآن، فضلاً عن تدمير نظام بيئي بشكل كامل، يمتد لخمسة آلاف سنة، ونتيجة ذلك، عانى عرب الأهوار الدمار الكامل لاقتصادهم وثقافتهم وطريقة حياتهم، ومن الجدير بالذكر، إن جرائم صدام لم تكن تستهدف الناس بشكل مباشر، إنما استهدفت البيئة التي هي أساس وجودهم (الأهوار)، وقد تم تجفيفها وحرقها وسدها إلى درجة أن  بقاياها فقط لا تزال موجودة .

   في يوم من الأيام، كانت الأهوار أرضاً سهلية منبسطة مغمورة بالمياه، وغنية بيئياً، تعج بالكائنات الحية من الطيور المهاجرة والأسماك والجاموس، وأصبحت أرضاً قاحلة مغطاة بالملح، وقد توصّل الباحثون الذين درسوا هذه الظاهرة إلى أن تدمير الأهوار لم يكن له أية أغراض اقتصادية أو تنموية، بل تم بهدف وحيد هو تدمير عرب الأهوار، وقد هُجّر معظمهم، ولم يبق سوى بضعة آلاف، وفّر الباقون إلى مخيمات اللاجئين في إيران أو تفرقوا في أنحاء العراق، وهنا بدأت معاناة جديدة سواء خارج العراق أم داخله، فخارج العراق لم يكن أي اهتمام عربي بالموضوع، وبعض المهجرين –تقريباً 40 الف- هاجروا إلى ايران وسكنوا معسكرات اللاجئين وهناك بدأت قصة اخرى للمعاناة، وفي الداخل العراقي، قصص اخرى، لأن عرب الاهوار، لهم ثقافتهم الخاصة التي لها ما يُميزها عن العراقيين الآخرين بشكل ما، وهنا ظهرت مشكلة الاندماج بالمجتمعات الجديدة التي هاجروا إليها، وحتى التحالف الدولي الذي اتخذ خطوات لحماية كورد شمال العراق، لم يتخذ أية خطوات لحماية عرب الاهوار .

    يُذكر أن نسبة كبيرة من ثروة العراق النفطية المحتملة موجودة في الأهوار، وإن عملية تجفيفها أثر على المناخ الاقليمي للمنطقة، وزاد من درجات الحرارة، ولاسيما في الصيف، مما زاد من الجفاف، وانخفاض في هطول الأمطار، وبالنتيجة، لقد تم إبادة نظام بيئي بشكل كامل، فضلاً عن ابادة العادات والتقاليد التي تشكلّت حول ذلك النظام، وانتجت إبادة أخرى، وهي الإبادة الثقافية لعرب الأهوار، إبادة ارتكبت بقصدية وتعمد، سبقها سلسلة من المقالات التي كانت تنشر ثقافة الازدراء لهذه المجموعة كما تم ذكرها في المقال السابق .