مبادئ عامة عن منهج دراسة جرائم حزب البعث في العراق
د. قيس ناصر
جامعة البصرة
تمت الإشارة في مقالات سابقة إلى أهمية دراسة حقبة حزب البعث في العراق، فضلاً عن الإشارة إلى قانون مؤسسة الشهداء لسنة 2016 ولاسيما المادة 17 الفقرة 14، المتعلقة بضرورة تدريس جرائم حزب البعث، ولجان وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حول هذا الموضوع، والحلقة المفقودة كما تمت الإشارة إليها هي الجهود المعرفية للباحثين العراقيين في دراسة تلك الحقبة بشكل عام وجرائمها بشكل خاص، مع تأكيد القول ضرورة الالتزام بمنطلقات أخلاقية في تدريس هذه المادة المعرفية المهم جداً نقلها إلى الأجيال الحالية والقادمة بوصفها تهتم بدراسة وتدريس حقبة مرت على الدولة العراقية عُرف عنها انتهاكها لحقوق الانسان وارتكابها لجرائم ضد الانسانية واشتهارها بحقبة المقابر والإبادات الجماعية، وجميع ما ذُكر يتطلب قيماً أخلاقية تؤسس لبناء عراق جديد قائم على الاعتراف بالآخر، يسوده السلم المجتمعي، قيمٌ تبتعد عن الحقد وإثارة الكراهية والانتقام، ولعل العقدين اللذان مرا على العراق بعد الخلاص من حكم حزب البعث وإجرامه، كفيلة بالتعامل مع تلك الحقبة- أي حقبة حزب البعث- من منطلق معرفي (دراسة وتدريس) .
ولعل السؤال المعرفي الذي يُطرح هو ما دور المجالات المعرفية في دراسة جرائم البعث؟ وهنا يمكن القول أن الحقول المعرفية سواء في الدراسات الإنسانية أم الاجتماعية لها حضور في دراسة تلك الجرائم، على سبيل المثال، في حقل الدراسات السياسية، ينبغي بيان طبيعة النظام السياسي الذي عمل على تشكيله حزب البعث الذي عُرف عنه أنه نظام شمولي (توتاليتاري) أشبه بالنظام النازي في المانيا، ذلك النظام الذي يدرك الجميع ما سببه من جرائم لم تقتصر على المانيا فحسب، إنما شملت دولاً عدة، وهذا الأمر ينطبق على العراق في حقبة حزب البعث، ولاسيما حقبة صدام، وفي مجالي الدراسات الفلسفية والنفسية هناك موضوعات متعلقة بدراسة صناعة الخوف، والقسوة، والعنف، وهي من المرتكزات الرئيسة لحزب البعث، كذلك دراسة الآثار الاجتماعية والنفسية التي نتجت عن الابادات الجماعية وانتهاكات حقوق الانسان، فضلاً عن أهمية الدراسات التاريخية ولاسيما طريقة أرشفة وتحليل الوثائق المرتبطة بجرائم البعث، ولا ينكر دور الأدب والفنون في وصف وتحليل ما جرى، كتمثيل للإبادة الثقافية، وتسخير الماكنة الثقافية والاعلامية لخدمة حزب البعث.
وفي سياق آخر يمكن دراسة جرائم حزب البعث في العراق من خلال جرائمه، التي لها اشكال متعددة، جرائم ضد الانسانية، انتهاكات لحقوق الانسان، إبادات جماعية، مقابر جماعية، التهجير القسري للعديد من أفراد الشعب العراقي، إبادة الطبيعة التي تمثلت بتجفيف الأهوار وتجريف بساتين النخيل، وغيرها من الموضوعات التي يمكن أن تكون منطلقاً للدراسة.
إن هذه المقالة كما ذُكر في العنوان تُقدم مبادئ عامة، أما موضوع دراسة جرائم حزب البعث في العراق، فهو بحاجة إلى دراسات متعددة، من مجالات معرفية مختلفة .