العراق بين الإبادات والإدانات
2
الأستاذ المساعد الدكتور
رائد عبيس
عضو المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف
كثيرة هي التقارير التي توصف حالة حقوق الإنسان في العراق، ولكن قليلة هي المواقف التي تنسجم مع مأساة حالة حقوق الإنسان كما تنقلها التقارير ، واللجان ، والفرق الأممية المعنية بذلك. وردت عبارات الإبادة بمعاني ومواقف مختلفة، تذكرها التقارير التي تصدر عن تلك المنظمات، والهيئات، والمجالس، ذات الشأن. ومنها القرار المرقم 48/144 في 28/12/1994 الذي تستذكر فيه موقف الأمم المتحدة الجمعية العامة والعهدين الخاصين بحقوق الإنسان الذي يعد العراق طرف فيه.
قد تتشابه التقارير في ذكر الإحالات الأولى للمواقف السابقة في توصيف حالة حقوق الإنسان في العراق، والمطالبة الدائمة من نظام حزب البعث البائد من الالتزام بكل البنود الخاصة بقرارات حقوق الإنسان إلا أن التقارير تشير إلى عدم تعاون نظام البعث في تسهيل مهمة الفرق، واللجان الخاصة، بجمع المعطيات عن حالة حقوق الإنسان.
وقد عبرت عن ذلك بالنص : “وإذ نأسف لأن حكومة العراق لم تبد استعداداً للاستجابة للطلبات التي قدمها المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في العراق لزيارة ذلك البلد” .
وكان نتيجة الضغوط التي تعرضت لها حكومة البعث من قبل المجتمع الدولي، فقد استجاب شكلياً للتعاون الرسمي مع المقرر الخاص بحالة حقوق الإنسان، وما لم يتحقق فعلياً هو توفير الردود الفعلية عن الاستفسارات بالحالات المنافية مع حالة حقوق الإنسان.
مارست حكومة البعث أشد أنواع الظلم بحق العراقيين ، فقوبل هذا الظلم الشديد ، بأشد عبارات الإدانة التي ترددت كثيراً من دون أي موقف عملي يحاول أن يخفف عن العراقيين القلق المميت، والدفن الجماعي، والرعب، والخوف، والتعسف بكل أنواعه.
وكان الموقف الأقوى في هذه التقارير ومنها التقرير المذكور بالرقم أعلاه، هو تكرار عبارة “جزع” في الفقرة السابعة، والثامنة، والعاشرة، إزاء حجم المأساة التي يتعرّض لها العراقيون في الشمال، والجنوب، والوسط والتي كانت تتمثل بقضايا الجوع من جراء الحصار الاقتصادي الذي حُمل فيه هذا التقرير حزب البعث وحده مسؤوليته! بينما الواقع كل الأطراف التي ساعدت على إذلال الشعب العراقي بهذه الطريقة المأساوية تتحمل المسؤولية الانسانية، والقانونية، والشرعية أيضاً.
وكذلك قضايا نقص الغذاء والدواء التي أخذت موقف سياسي أكثر منه موقف أنساني، فكان عقاب حزب البعث بغطاء عراقي عام ، والعكس صحيح .
أما المؤشرات الأمنية التي تتعلق بمشكلة الإخفاء القسري، والسجن ،واعتقال الاطفال ، والنساء، والشبان، والذي شملهم الدفن الجماعي بدون أدنى رحمة من قبل مجرمي البعث، واختفاء عشرات الآلاف من العراقيين ، والحرب المستعرة من قبل حزب البعث على الأكراد ، وممارسات التعذيب الشنيعة التي تظهر انهيار القيم الاخلاقية عند حزب البعث وجلاوزته، والتي لم تجعل منعطفاً واحد يؤكد على وجودها في قاموسه ! اختزل كل ذلك بإجراءات الاعدام التعسفي، والتهجير ، والتشريد، والتعامل المهين… وغيرها ، والتي وصفها التقرير بعبارة ” بالغ الخطورة” والإدانة الشديدة.
لم تتوقف إبادات حزب البعث بحق الشعب العراقي حتى سقوطه ! ، كما لم تتوقف الإدانات من قبل الأمم المتحدة ومجالسها وتقاريرها عن كل ما لحق بهذا الشعب من دون موقف منقذ يوقف وتيرة الموت الذي اعتاد البعث على ممارسته !!!