ataba_head

جرائم حزب البعث بوصفها مقرراً دراسياً

جرائم حزب البعث بوصفها مقرراً دراسياً

د. قيس ناصر

جامعة البصرة

     قبل أربع سنوات، تقريباً، في تموز 2019م، بدأت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تناقش آليات تطبيق مقرر جرائم حزب البعث، مع تأكيدها الالتزام بهذا الموضوع من خلال تضمين الجرائم في مادتي التاريخ وحقوق الإنسان، عبر التنسيق مع وزارتي التربية والثقافة، فضلاً عن مؤسسات: الشهداء، والسجناء، وهيأة المسائلة والعدالة. وفي سنة 2021، شهر كانون الثاني، شكّلت الوزارة ف علجنة للأشرالى إعداد المنهاج الدراسي (جرائم حزب البعث البائد)، التي بدورها تواصلت مع الجامعات العراقية، من ثمّ، شُكلت لجان فرعية، لم يُعلن عن نتائجها .

   وكانت جهود وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، بناءً على مطالبات برلمانية بدأت منذ 2016م، وآخرها في شهر كانون الثاني 2023، إذ طلب النائب الأول لمجلس النواب معرفة الإجراءات المتخذة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة التربية، فيما يتعلق بالمنهاج الدراسي المتعلق بجرائم حزب البعث، فضلاً عن مطالبة مؤسسة الشهداء بتطبيق المادة 17، الفقرة 14 من قانون مؤسسة الشهداء رقم 2 لسنة 2016 م، المتعلقة بالموضوع نفسه .

   وكل ما ذُكر  أعلاه هي جهود برلمانية ووزارية مستندة إلى تشريعات قانونية، إلا أن ما تم ملاحظته هو غياب الجهود المعرفية التي تساهم في وضع منهاج لدراسة جرائم حزب البعث، وهذا الأمر بالتأكيد يتحمله المعنيون بالبحث والدراسات، من المنتمين الى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وغيرها، وعندما نقول جهود معرفية فهذا الأمر فيه دلالة إلى أن حقبة حزب البعث في العراق لم تُدرس بشكل كاف في الدراسات الأكاديمية العراقية، الحزب الذي وظف كل إمكانيات الدولة العراقية من قطاعات الجيش والشرطة والمؤسسات الأمنية الاخرى، لارتكاب جرائم منظمة تفوق كل تصور.

   وفي الوقت نفسه، أن الجهود المعرفية تُبين مدى الجرائم التي ارتكبها حزب البعث، وتمنع تحولهم إلى مناضلين، على وفق الماكنة الإعلامية التي لا تزال تدعم وتؤيد نشاطات الحزب الإجرامية، من خلال محاولة الترويج لنسيان الماضي وما جرى فيه من ويلات، وحينما ننساه بالتأكيد سوف يُعاد تكرار ما جرى، فالأجيال الجديدة لم تدرك الجرائم، وعلى الرغم من أن الوقت قد تأخر لمحاولة تقديم منهج لدراسة جرائم حزب البعث، إلا أنه يبقى من الضرورات، فمشكلات العراق قبل 2003م، يتحملها حزب البعث بشكل كامل، وحتى بعد 2003م، في جزء منها يقع على عاتق الحزب المقبور، إذ تبنى البعثيون بأسمائهم المختلفة العديد من العمليات الإرهابية .

   إنَّ دراسة جرائم حزب البعث، تنسجم مع ترسيخ قيم التسامح والسلم المجتمعي من أجل العيش المشترك، فعندما يتم تشخيص المسؤول عن كل ما جرى في العراق، ويتم إدانته وتجريمه، لا تصبح عملية اطلاق الأحكام بشكل انتقائي، إنّما عبر دراسة معرفية وتشخيص لما جرى، ولعل من أول مهام التصدي لجرائم البعث في العراق هو بيانها للأجيال الجديدة، عبر الإفادة من تخصصات معرفية مختلفة .

ومن الواجب القول وما ينبغي تأكيده إن جرائم حزب البعث المقبور، قد فاقت كل الوسائل التي اعتمدتها أحزاب إجرامية في دول أخرى، وفي الوقت نفسه، قد استهتر وبشكل كامل بتطبيق أبشع الجرائم، إذ تعدّت جرائمه وطبيعته الدموية الفئات السياسية المعارضة له، ولم تستثن ديانة أو طائفة أو قومية عراقية، وتعدى مفهوم القتل لديه الفئات كافة من الرجال والنساء والأطفال- (الإبادة الجماعية)- إلى تدمير الركائز الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بل إن إجرامه قد وصل إلى بيئة العراق .

    ختاماً، يمكن القول أن موضوع دراسة جرائم البعث في العراق وتدريسها يعتبر ضرورة من أجل تحقيق العدالة لذوي الضحايا، فضلاً عن المساهمة في تأسيس نظام سياسي يعمل لجميع مواطني العراق دون تمييز بين قومية أو دين أو مذهب، فضلاً عن تعريف الأجيال الجديدة بحجم الدمار الذي ألحقه حزب البعث بالعراق، وكل ما ذُكر بحاجة إلى جهد مؤسساتي يعمل على إكمالها، ضمن مشروع معرفي وثقافي .