ataba_head

إرهاب من ذاكرة الخامس الإعدادي

إرهاب من ذاكرة الخامس الإعدادي .

د. حسنين جابر الحلو.

 

كنتُ مع مجموعة من الشّباب المؤمنين ، ندرس في المرحلة الخامسة في إحدى إعداديات النجف الأشرف ، وبالتحديد في العام الدراسي  ١٩٩٦ –  ١٩٩٧م ، ومن باب الصدفة أنَّ خمسةً من أصدقائي وأنا من ضمنهم من عوائل المعدومين في زمن النظام المباد .

حاولنا جاهدين أن نخفيَّ هذا الأمر حتى عن المقربين منا ، وهذه طبعا وصايا العائلة، خوفا من استراق السّمع من قبل السلطة ؛ لأنَّ وصول الخبر يعني إعدام مكرر ، مما يفتح علينا أبوابًا من النار ، كانت قد أغلقت بأجساد آبائنا وأخوتنا وعوائلنا.

وأتذكرُ في يوم الاثنين من العام ذاته ، وفي الدّرس  الأخير،  دخلت علينا مجموعة من جلاوزة النّظام السابق،  وأخذوا يسألوننا عن حبنا للوطن وأهمية ذلك في حياتنا ، وبعدها سألنا كبيرُهم سؤالاً مباشراً ، من يحبّ القائد ويعني ” صدام ” ؟ فلم يجبه أحد،  بسبب أن أغلبنا من عوائل ضحاياه ، فاستشاط غضبا،  وأخذ يكيل لنا  الشتائمَ والتهمَ،  وتوعدنا شرَّ وعد ، وتركونا وذهبوا .

رجعنا إلى بيوتنا ، نرتعدُ خوفا ، مما سيحصل لنا ولعوائلنا،  جراء جرأتنا في عدم القول ” بنعم ” .

وزاد الأمر سوءا عندما علمنا بأنهم يريدون مجموعة منا تلتحق بما يسمى ” الفدائيين” .

وها نحن ننتفض بعدم القول ” نعم ” في زمن لا تتجرأ على قولها إلا بمعناها التأيّدي.

هذه الهزة ، على الرغم من أنها قاسية ، إلا أنها علمتنا أن الصراحة مهمة ، بالسكوت أمام الظالم ، في دواخلنا كانت معجونة بدماء عوائلنا وهي ديّن في رقابنا ، ولعله كان أقل وفاء لهم أن نبقى على طريقهم ، وكنا نعلم بأنهم قادرين على فعل أي شيء من أجل سيدهم .

أقولها بصراحة وبحرقة ، لأجيال هذا العصر ، إن قول الحقيقة ولو بعدم قول ” نعم ” ، هو تأسيس مرحلي ، قاعدته ” الطف” بمقولة ” مثلي لا يبايع مثلك ” ، وهذا الأمر لم ندرسه في المدارس بل هي تربية واجبة على كل أب وأم.

هكذا كانت حياتنا ، وهذا يوم منها ، عندما يتحدث بعضهم عن جمالية أيام النظام السابق ، كن واثقا أنه لم يعش معاناتها،  وكان يقول نعم دائما ،؛لأنه جزء من تكوين ظلامة النظام .

علينا أن نتنبه،  وأن نضع الأمور بموازينها،  وأن نكافح دائما في نقل المعلومة ، من خلال عرض الشواهد ، ولاسيما من المتضررين من الواقع المأساوي في زمن الطغاة .