banarlogo

آيديولوجيا حزب البعث في اصطفاف المدارس  

آديولوجيا حزب البعث في اصطفاف المدارس  

بقلم: د. عباس القريشي

 

اتسمت الأحزاب الدكتاتورية عن غيرها بسمتين أساسيتين الأولى: أدلجة المجتمعات التي تحكمها بشتى الوسائل والتي من ضمنها ما سنذكره في هذا المقال .

والثانية:لجوء هذه الأحزاب للبطش والقمع العنيف، وكلا السمتين اتسم بهما حزب البعث في العراق فهو بدأ بأدلجة المجتمع العراقي وفق خطط مدروسة ومنظمة بدأ من التعليم ووصولا إلى المُزارع والكادح البسيط فمثلا في التعليم نجد في بداية اليوم الأول الذي يضع فيه التلميذ أقدامه في المدرسة بل حتى في رياض الأطفال [1] يتلقى مجموعة من الآيديولوجيات البعثية، وبشكل تدريجي ويومي تُنمي تلك المفاهيم.

فمثلا يبدأ اليوم الدراسي بتجميع التلاميذ بما يسمى الاصطفاف، ويقول: أحد المعلمين استاعد (استعدوا) فيردد التلاميذ : بالروح بالدم نفديك يا صدام.

 

ثم يُعطي توجيهًا لعدد من التلاميذ بالتقدم نحو سارية العلم العراقي لرفعه، فيتقدمون نحوه، ويقف قربهم أحد المعلمين أو المعلمات أو أحد التلاميذ وبيده بندقية كلاشنكوف يبدأ بإطلاق الرصاص الحي عند رفع العلم ! تصور عزيزي القارئ الكريم تلاميذ بعمر ست سنوات ذكور وإناث يشاهدون شخصا يطلق الرصاص ويسمعون صوت العيارات النارية!

 

عندها يبدأ جميع كادر المدرسة وتلاميذها بقراءة النشيد الوطني بدءا من

وطن مد على الأفق جناحا         وارتدى مجد الحضارات وشاحا

إلى أن يقولوا:

أيها القائد للعلياء شعبه                  اجعل الآفاق للصولات ساحة

يا سرايا البعث يا أسد العرين                   يا شموخ العز والمجد التليد

ازحفي كالهول للنصر المبين              وابعثي في أرضنا عهد الرشيد

وهو كما ترى ما يتضمنه من محاولات لترسيخ مفاهيم لا تخفى غاياتها ومآربها!.

ثم يقول المعلم: رمزنا وقائدنا ؟

فيجيب الجميع: صدام حسين!

وهذه أدلجة واضحة لفكرة القائد الأوحد والرمز المقدس دون سواه وحصره ببطل الحفرة القومية صدام حسين! لدرجة تقديمه على جميع القادة الدينيين من الأنبياء والأئمة والعلماء والصالحين ! .

و لا نغفل ما فعله البعثيون من أدلجة وتجنيد للتلاميذ تحت مسمى أشبال صدام وفدائيّ صدام ! لشخص صدام دون الوطن والقيم الإنسانية الحقة.

 

بعدها يقول المعلم: شعارنا ليرسخ في أذهان التلاميذ إنَّ هذا شعار العراقيين جميعا!

فيرددون: (أمة عربية واحدة…. ذات رسالة خالدة) وغايته جعلهم يرددون شعار حزب البعث الذي يُهمش باقي مكونات الشعب العراقي من تركمان وشبك وأكراد وكلدان وآشوريين وغيرهم، المغزى الكبير لحقيقة هذا الشعار أن يكون حزب البعث فوق جميع الانتماءات , إذ جعل من خلال شعاره أن لا قيمة لرابطة الدين اتجاه رابطة العروبة التي كان يتبجح بها البعثيون، وأيضا من مخاطر ذلك الشعار قتل روح المواطنة لدى غير العرب جميعا!، إذ يشعرون أنهم غرباء في الوطن كون شعار السلطة الحاكمة واضح وصريح في بيان المواطنة وأن الوطن مختص بقومية معينة وهو ما جعل عدداً من البعثيين أن يتبرأ من قوميته! ويعلن انتسابه إلى العرب! محاولا إثبات انتمائه لشعار الحزب، أضف إلى ذلك زرع الحقد والضغينة بين أبناء الوطن الواحد.

وأما أهداف حزب البعث : وحدة حرية اشتراكية ، التي تغرس في أذهان التلاميذ على الرغم من تضادها وتعارضها :

 

 

والمتأمل في فعاليات الاصطفاف يجدها عملاً مخططاً له يهدف إلى :

  • أدلجة التلاميذ
  • غرس روح الحروب والاقتتال في نفوس التلاميذ والطلاب
  • خطوات مبكرة لعسكرة التعليم والتلاميذ
  • استغلال سيء للحب الفطري للوطن.

والحقيقة المؤلمة التي يجهلها كثير من أبنائنا اليوم هي: طوال ما عشنا تحت سياط جلادي البعث ووكلائهم لم نرَ أي وحدة بين أبناء العروبة، بل بين العراقيين ولم يمارس العراقيون أي شكل من أشكال الحرية حتى الاحتفالات بأعياد حزب البعث والثورة وميلاد صدام حسين كما يسمونها كانت قسرية فيعمد البعثيون إلى احضار الناس بالتهديد والوعيد وإجبار سائقي السيارات(الصُخَرَة)([2]) بالقوة ولم يتمكن الناس من ممارسة حتى شعائرهم الدينية بأبسط لون من ألوان الحرية، أما الاشتراكية فكانت تُطبق كما يريدها البعث والبعثيون؛ إذ يشاركون الناس في ممتلكاتهم وأعمالهم فيجمعون منهم الأموال والمقتنيات للحروب، ويسوقون شباب العراق إلى نيران المعارك العبثية ولم نرَ أو نسمع أن صدام حسين أو أحد أقاربه قدم ابنه  كقتيل أو جريح في أرض المعركة مدافعا عن أرض العراق! بل كانوا يختبئون في قصورهم الفارهة، وأبناء الوسط والجنوب يُساقون إلى الموت زُمراً.

يتم جميع ذلك في الوقت الذي تنعدم فيه أدنى مقومات التعليم وحقوق التلاميذ فأعداد التلاميذ في الصف الواحد يتخطى الـ 50 تلميذاً وعدم توفر الرحلات ( كراسي يجلس عليها التلاميذ) فيجلس التلاميذ على الأرض الباردة، ومن يحظى برحلة (كرسي) فهو محظوظ جدا على الرغم من كونها مكسورة والجالسين عليها 3 تلاميذ!

 

 

 

 

[1] – مرحلة دراسية للأطفال قبل الإبتدائية.

[2] – الضخرة: مصطلح يطلقه العراقيون على أصحاب عجلات النقل المجبرين على نقل الناس لاماكن احتفالات حزب البعث بدون أجور مقابل عملهم