ataba_head

آيديولوجيا الشّر التوصيف الذي يستحقه البعث

آيديولوجيا الشّر

التوصيف الذي يستحقه البعث

الأستاذ المساعد الدكتور

رائد عبيس

عضو المركز العراقي لتوثيق جرائم التّطرُّف

تدارسَ الفلاسفةُ مشكلةَ الشّر, كمشكلة كونية, وأخلاقية , وسياسية, ودينية , فردية, وجماعية, أي ما يمكن أن يصدر من فعل الفرد من الشر في سلوكه الذاتي , أو ما تمارسه الجماعة بكونه واجب مفروض عليهم, أو فعل اندفاعي ضمن سلوك الجماعة بشكل همجي , أو ما يمكن أن يسمى فعل “غوغائي”.

قسّمَ الفلاسفةُ صفة الشّر بكل أبعاده إلى ما هو طبيعي, وميتافيزيقي, وبشري, الشرور الطبيعية هي التي تأتي بها عوامل الطبيعة من فيضانات, وزلازل, وبراكين وغيرها , أما الشّرور الميتافيزيقية هي الشرور التي تصدر عن قوى غيبية مثل الأرواح الشريرة, والجن, والشياطين, والآلة, وعلى السواء ما كان منها أسطوري أو لاهوتي. أما الشرور البشرية هي التي يجتمع بها فعل الفرد مع فعل الجماعة, وبكل غاياتها, وأبعادها سواء الأخلاقية, أو السياسية, أو الاجتماعية, أو حتى التكنولوجية.

لا يمكن اختزال كل الشرور التي مرّت بها البشرية وبكل أنواعها, وقسوتها بآيديولوجية معينة , وذلك من أجل إنصاف التاريخ, وإنصاف الأشرار أيضاً الذين يتفاوتون ويتنافسون بحجم الشر الذي يقدموه لرعاياهم ومن يقع تحت بطشهم. والذي يكون فيه توصيف ما يسمى “بالشر السياسي” أشمل وأعم من غيره أو قد يتقارب من شرور الآيديولوجيات الدينية أو يتنافس معها أو يتواظف أحدهما للآخر.

حزب البعث ؛ آيديولوجيا سياسية قائمة على ركيزة الشّر كأساس في التنظير والممارسة, تبلورت في كل مشاريع الحزب, في التعامل مع كينونته, كحالة وجودية جديدة على أرض الواقع. تعاني قلق العيش, والاستقرار, والتعايش, والقبول, فاستعاضت عنه بسلوك “الكلب المسعور” الذي ينهش كل ما يجاوره.

شهدت عليه كل وثائقه المصورة , والمكتوبة , والمسموعة , والمسجلة, والمنقولة, والشهادات, والبيانات , والولادات , والوفايات, والتهجيرات , والهجرة, والإبادة , والحروب الداخلية, والخارجية, العسكرية منها, و النفسية, والاجتماعية, و الاقتصادية… وغيرها, وكلها كانت مستندة إلى آيديولوجيا الحزب التي لا يتضح منى سوى الشر.

ممكن أن نشخّص إشكالية الشر البعثي وتمثلاتها على ثلاثة أبعاد, البعد الأول ؛ أن الآيديولوجيا البعثية الشريرة لا تعبر بعمق عن فكرة علمانية الدولة بقدر ما يتضح من تأثير مرجعياته الثانوية, وهذا يؤكد أن هناك عاملاً دينياً وطائفياً يحتكم بمسار تأريخاني يتقمص أدواراً من بطولات التأريخ وثأريته . والبعد الثاني ؛ هو قومي ,حكم قيم العشيرلاة في نهاية المطاف, وثقافة القرية, وخطاب الجماعة. البعد الثالث ؛ سياسي لا يؤمن بالشراكة, ولا بالمقاربة, ولا بالتعايش, بل أظهر به قلق صيرورته الهشة التي تجسدت بسياسة البطش, والخوف, والتحدي, والتآمر, والذي تمثل بسلوكهم اليومي, ومراسيمهم الحزبية, وبزيهم المعتاد, وبعدائية كل ما يضادهم. لا يمكن أن يخفي البعث شره ولا يمكن ان يُختصر ببعد واحد, فهو عبارة عن عقيدة شريرة قاتلة.