banarlogo

العراق قبل 2003 من دولة الحزب إلى دولة العشيرة

العراق قبل 2003

من دولة الحزب إلى دولة العشيرة

د. قيس ناصر

جامعة البصرة

 

يشتركُ العراق قبل 2003م مع دول عديدة في العالم بوجود حزب قد هيمن على الدولة بمؤسساتها كافة, ولم تقف تلك المرحلة عند هذا القدر فحسب, إنما أفراد من ذلك الحزب المقبور, عملوا على الهيمنة على الحزب, من ثمّ جعلوا عشيرتهم تهيمن على الحزب والدولة, وهذا الأمر يختلف فيه العراق عن بقية الدول التي هيمن عليها حزب ما, إذ إن في العراق قد هيمنت العشيرة المتمثلة بـ “عشيرة البو ناصر” مع هيمنة صدام على الدولة بعد 1979م, وقد أشار فالح عبد الجبار في أحد كتبه إلى ضرورة دراسة طبيعة هذه العشيرة وعلاقتها بالدولة العراقية, على الرغم من أنه قد قدم وصفاً وتحليلاً لها, فحزب البعث كان متغلغلاً في كل شيء داخل العراق, وعشيرة البو ناصر هي المهيمنة على هذا الكل, إذ تحوّلت تعددية سلطات النظام إلى سلطة أحادية تركز النفوذ في يدي حاكم فرد, ولم يكن هذا التحول ممكنا لولا مساهمة قوتين: مؤسسة حزب البعث, وعشيرة صدام.

وهذا ما يميز النظم الشمولية عن نظم الطغيان الأخرى, التي, أحياناً تعترف بالتعددية, وعلى رأي أحد الباحثين أن دولة البعث ظلت منذ ولادتها وحتى سقوطها تعزز سلطة مؤسستي الحزب والعشيرة-يقصد هنا عشيرة صدام-, من خلال عملية دمج الحزب بالدولة, ودمج العشيرة في مزيج الدولة-الحزب, واستعمال آلة دولة الحزب-العشيرة لحكم مؤسسات الدولة,  بحيث أن الأمر لا يقتصر على الاستيلاء على السلطة فحسب, بل يتعداه إلى استكمال التمثل التام ما بين الدولة والحزب, وذلك بتعيين أعضاء من الحزب في كل مراكز الدولة, وهيمنة العشيرة على الدولة .

 

وفي هذا السياق ينبغي طرح مجموعة من الأسئلة, التي –ربما- تحتاج إلى دراسات عديدة للإجابة عنها, هي, كيف استطاعت جماعة صغيرة من الأفراد المترابطين فيما بينهم بعصبيات تقليدية, مثل العشيرة, أن يهيمنوا على الحزب المقبور؟ من ثم هذه المجموعة نفسها, تهيمن على بلد بكامله, وتقبض على زمام السلطة؟ كيف استطاعت هذه المجموعة العشائرية أن تبقي دولة مثل العراق بحضارته وتنوعه الثقافي (الديني والمذهبي والقومي) بأكمله رهينة على امتداد أكثر من ثلاثة عقود من السنين؟  حتى أن المؤرخين يشيرون إلى أن أغلب أعضاء قيادة حزب البعث المقبور لم يكونوا معروفين بشكل واسع في البلاد عندما استلم الحزب السلطة في تموز 1968 ماعدا البكر الذي كان من الضباط الأحرار في 1958 ورئيساً للوزراء ما بين شباط وتشرين الثاني 1963, ولم يكن للمجرم المقبور صدام حسين الذي كان عمره 31 سنة ذي السمعة السيئة لاشتراكه في محاولة اغتيال قاسم 1959 أي دور آخر يدعيه سوى هذه العملية .