ataba_head

أداة الدكتاتورية نظام الحزب الواحد- حزب البعث انموذجاً

أداة الدكتاتورية نظام الحزب الواحد- حزب البعث انموذجاً

 

الدكتور إحسان محمد هادي

 

اتخذَ حزبُ البعث المقبور سياسة نظام “الحزب الواحد” في سيطرتهِ على الدولة باحتكار النشاط السياسي والإداري والاقتصادي وحتى العسكري بل في كل مفاصل الدولة, ولا يسمح بوجود تعددية الحزبية أو حزب آخر في الدولة, الغرض من تلك السياسة التي انتهجها منع وجود حزب معارض والأمر الثاني يمنع نشاط أي حزب آخر يتدخل ويفرض سيطرته بوصوله للسلطة, ومن هنا انشأت الدكتاتوريات في ظل النظام الذي يعارض التعدد الحزبي والمعارضة.

فقد عمل حزب البعث الى استنساخ التجربة من دول أخرى اتصفت بالدكتاتورية, فالدكتاتوريات الحديثة  تستند في وجودها الى مجموعة من الأفراد ينتظمون تحت مسمى حزب واحد ينفردون بالسلطة كما هو الحال بألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية والاتحاد السوفيتي بالشيوعية وانتشرت نظرية الحزب الواحد واعتنقتها الكثير من الدول من ضمنها دول منطقة الشرق الأوسط التي حدثت فيها انقلابات قام بها حزب معين  فوصل الى سدة الحكم فيها, وهذه الأحزاب الدكتاتورية تتعالى بها مصالحها الخاصة على مصلحة المجتمع هدفها الأساسي البقاء بالسلطة وإنهاء كل معارض لها, وتقييد الحريات في الحدود التي يقرها ذلك الحزب.

إن الأخذ بنظام “الحزب الواحد” ونظام “الحزب القائد” هو صفة الأنظمة الدكتاتورية بسيطرة حزب واحد وتصفية الأحزاب الأخرى وتصفيرها وهذا الأمر يتنافى مع الديمقراطية التي لا يمكن الحديث عنها في ظل نظام الحزب الواحد منفرد بالسلطة. بهذا الأمر عد حزب البعث حزب شمولي لأنه أعدم الحياة السياسية في العراق من خلال تبنيه نظرية الحزب الواحد في ادارة الدولة.

آيديولوجية حزب البعث أعيد تشكيلها تحت ظل الدكتاتورية الشخصية لصدام الهدف منها الحفاظ على نظام الحكم المتمثل بشخص الحاكم صدام, فعمل حزب البعث بسياسة “الحزب الواحد” بجعل الحزب هو القوة الموجهة للمجتمع والدولة, فضلاً عن إجبار أفراد الشعب في الانتماء للحزب, وجعل أفراد من الحزب يمسكون مرافق الدولة ولاؤهم للحزب لا على الكفاءة شعارهم “نفذ ثم ناقش” وفرض سياسة “تبعيث الدولة” ولا يقبل المشاركة والمنافسة في الحكم واقصاء المعارضين واستخدام العنف المفرط ضدهم وسياسة التخويف للشعب وجعل المواطنين في سجن كبير اسمه الدولة, ففي ظل حكم البعث توسعت وتضخمت الأجهزة الأمنية والاستخبارية عملت على مراقبة الشعب وحماية نظام البعث الحاكم, وجعل الصحافة والإعلام وسيلة دعائية لحزب البعث.

عرف هذا الحزب منذ الأعوام الأولى لتوليه السلطة بالعنف المفرط بمعارضيه بل حتى أعضائه فقد قام بتصفية رفاقه بصورة عنيفة وشرسة منذ الايام الاولى لتولي صدام السلطة, ففي 1/8/1979 اعتقل 68 قيادياً بعثياً فصدر حكمه بالإعدام على 22 منهم  ونفذ الاعدام صبيحة 8/8/1979 بحضور صدام وما يسمى ﺑ”قيادة الحزب القطرية” واعضاء “مجلس قيادة الثورة” الذين عينهم صدام وكوادر متقدمة من الحزب في كل انحاء العراق الهدف من ذلك تخويف اعضاء الحزب, وكان من ابرز القيادات لحزب البعث الذين تم تصفيتهم بتشكيل محاكم بعثية عرفت ﺑــ”قاعة الخلد” فقد قام صدام مع بعض رفاقه الموالين له بتصفية قيادات عليا في حزب البعث منافسة لصدام وبعضهم معارض له فاتهم بالتآمر على الحزب والثورة فكان الهدف الرئيس من إعدامهم هو أبعاد منافسيه نهائياً, ومن أبرز تلك القيادات التي أعدمها:

  • محي عبد الحسين مشهدي الشمري: قيادياَ معروفاً شغل منصب أمين سر مجلس قيادة الثورة وسكرتير رئيس الجمهورية في عهد أحمد حسن البكر.
  • محمد عياش من قيادات البعث تولى عدة مناصب عليا منها وزارة الصناعة وعضو في قيادة القطرية لحزب البعث.
  • عنان حسين الحمداني من قيادات الحزب البارزين وتولى مناصب عليا منها منصب نائب رئيس الوزراء للتخطيط ورئيس ديوان رئاسة الجمهورية.
  • غانم عبد الجليل تولى عدة مناصب منها عضو القيادة القطرية لحزب البعث ومدير مكتب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة وزير التعليم العالي والبحث العلمي.
  • محمد محجوب مهدي الدوري عضو في القيادة القطرية لحزب البعث وزير التربية.

كما قام نظام صدام بتصفية الأحزاب الإسلامية وفي مقدمتها “حزب الدعوة الإسلامية” فقد وقع صدام قرار باسم ما يسمى “مجلس قيادة الثورة” المرقم (461) في 31/3/1980 الذي يقضي بملاحقة ومراقبة واستجواب واعتقال أعضاء حزب الدعوة الإسلامية وطردهم من الوظائف التي يشغلونها في الدولة وخاصة العاملين في الجيش والشرطة والأمن والخارجية والطاقة وكان القرار لا يدع أي مجال والاستثناء والاستدراك, كما قام بإعدام السيد “محمد باقر الصدر” واخته والتنكيل والتفنن بإعدام أعضاء هذا الحزب.

أما الجهة الأخرى التي تعرضت للتنكيل منذ تولي حزب البعث السلطة هي الأحزاب العلمانية شملت التصفيات أعضاء الأحزاب القومية والشيوعية والاشتراكية وغيرها من الأحزاب باتهامهم التآمر على الحزب والثورة والتجسس لجهة خارجية معادية وعلى أثرها تم تصفية تلك الأحزاب.

قام نظام صدام الدكتاتوري بتعطيل القضاء العراقي وانشاء محاكم خاصة تجسدت في “محكمة الثورة” سيئة الصيت والتي أعطاها النظام إطار قانوني الأعلى, واتصفت بقرارات تعسفية أغلبها بالإعدام وقراراتها لا تقبل الطعن والتميز وهي محكمة صورية لا يمنح المحكومين اي مهلة في الدفاع عن نفسه ولا تأجيل في هذه المحكمة ولا تستغرق إجراءاتها سوى قراءة قائمة الاتهامات الجماعية أو فردية التي أعدت من قبل جهات البعث الأمنية ومن ثم تلاوة الحكم الجاهز مباشرة بعد ذلك دون أية مناقشة أو مراجعة متجاوزين الأعراف المعهودة في القانون.

   أمعن حكم البعث الصدامي باضطهاد الشعب العراقي إلى حد الإبادة الجماعية, كما حدث  مع أكراد العراق وتفنن في إبادتهم بعمليات ممنهجة من عمليات الأنفال غيرها من العمليات ضدهم, أما في الوسط والجنوب عام 1991 في انتفاضة الشعب قوبلت من قبل نظام البعث الصدامي بحرب إبادة جماعية ضد الشعب فكان نظام البعث مستعداً لإبادة الشعب بكامله لأجل سبيل البقاء بالسلطة, فكان مخطط نظام البعث البقاء في السلطة مئات السنين ووضعوا في فكر الشعب أن حكمهم باقي كالقدر المكتوب, فتوسع في السجون ونشر المقابر الجماعية وتفنن في تعذيب العراقيين, وفرض عليهم دكتاتورية الحزب الواحد وشخص الحاكم الأوحد وتسبب بإشعال حروب عبثية راح ضحيتها أكثر من مليون شخص وتسبب في قمع وقتل أكثر من مليون شخص وهجر أعداد كبيرة من العراقيين في الخارج لا تحصى عددها وخلف جيش من الأرامل والأيتام والمعاقين وبدد ثروات البلاد في تلك الحروب عبثية على أثرها دفع العراق مئات المليارات من ثرواته كتعويضات عن تلك الحروب, وعمد على عسكرة المجتمع وتسبب في فرض حصار اقتصادي دولي أذل العراقيين أشد اذلال وتسبب في موت مليون طفل جراء نقص الحليب والأدوية.

وهنا يطرح سؤال هل يتلاءم نظام الحزب الواحد مع متطلبات العصر والديمقراطية؟ أكيد الجواب لا فقد أثبتت التجارب الحديثة أن الدول تقدمت بالتعددية كما هو الحال في أوربا الشرقية بعد سقوط جدار برلين واتجهت نحو الديمقراطية وتنافس الأحزاب في الجدارة في إدارة الدولة والشعب هو من يقرر من يلبي طموحه في إدارة الدولة وأبعاد  الأحزاب التي فشلت في الإدارة بصورة سلمية عن طريق صناديق الاقتراع الأمر الذي يجعل الأحزاب في تنافس مستمر ببرنامجها الخدمي للمواطن الأمر الذي جعل الدكتاتوريات من الماضي.