ataba_head

قصّة وثيقة (12) ……تعهد شخصي

قصّة وثيقة (12)

تعهد شخصي

عبد الهادي معتوق

 

 

الوثائق الثلاث أدناه ، تتكون كلُّ واحدةٍ من صفحة واحدة , الوثيقتان الأُولى والثالثة ، مرقونتان على الآلة الكاتبة ، كل على صفحة بيضاء ،أما الثانية فهي مكتوبة بخط اليد وعلى صفحة بيضاء أيضاً .

تدور مضامينُ هذه الوثائق على موضوع محدد وهو عدم تعاون مواطن من مدينة السليمانية مع الأجهزة الأمنية مقابل تعيينه في إحدى الدوائر الحكومية كما تبدو في سياق الوثائق ، واسم المواطن هو ” جبار حمه أمين درويش ” .

 وقد ثبت عدم رغبة الشخص المذكور في تعهد شخصي مع التوقيع في الوثيقة الأولى الصادرة من معاونية أمن البلدة في محافظة السلميانية ومفاده ؛ (ارفض التعاون مع جهاز الأمن وأن لا أقوم بإيصال ما أحصل عليه من معلومات إليهم بكل دقة وأمانة وإخلاص وأن لا أخبر عن الحركات السياسية المعادية والزمر التخريبية التي أعرفها. عليه وقعت بتاريخ 11/9/1986 إعترافاً مني بذلك .أؤيد ذلك). وهناك في أسفل الصفحة الاسم الثلاثي لشخص وعنوانه الكامل ومهنته. تحتوي الوثيقة الثانية الصادرة بتاريخ 13/9/1986 من مراقب أمني ومن المعاونية ذاتها على معلومات عن الشخص المذكور إذ يبدو من خلال الوثيقة ذاتها أنه لم ينتم إلى أي حزب سياسي ويجهل انتمائه السابق ، كما أنه لم يحصل على أية شهادة علمية باستثناء دراسته في المدارس الشعبية .

وقد يقصد المراقب الأمني بالمدارس الشعبية مدارس ـ ” محو الأُمية ” . أما الوثيقة الثالثة الصادرة من نفس الجهاز الأمني (معاونية أمن البلدة ) بتاريخ 16/9/1986 ، والتي تحمل الرقم التسلسلي 7525 ،فهي ، فضلا عن أنها منسوبة إلى تقرير آخر عن الشخص ذاته بتاريخ 7/9/1986 ، موجهة إلى مديرية أمن السليمانية وتحتوي على نفس المعلومات التي ذكرت في الوثيقة الثانية . ولا يرى ضابط الأمن سبباً لتعيين المذكور كونه يرفض التعاون مع جهاز الأمن ، ولا بد من الإشارة بأن المراقب الأمني الذي كتب التقرير الثاني ” الوثيقة الثانية ” ، رغم حصوله على معلومات تؤكد عدم انتماء المذكور سياسياً وملفه ” النظيف ” وفق لغة جهاز الأمن أكد على عدم تعيينه أيضاً ، ذلك أنه رفض التعاون معهم.

تعود هذه الوثائق إلى أواسط الثمانينات من القرن الماضي إذ تشعبت فيها المراقبة الأمنية ومحاولات إجبار المواطنين وتوريطهم في عمليات التجسس على المجتمع . وقد اعتمد النظام لتطبيق هذه السياسة الأمنية وسائل متعددة لذلك وكان التوظيف أو التعيين في الدوائر الحكومة التي كانت خاضعة للحزب البعث وسيلة من تلك الوسائل .

يلاحظ في الوثيقة بأن الشخص المذكور لم يتقن العربية ولا كتابتها كما يبدو من خلال الوثيقة ذاتها ، لذلك اعتمد المحقق الأمني نموذج إعتراف مرقون على الآلة الكاتبة ، بينما التعهدات الشخصية في زمن البعث كانت تكتب بخط يد الشخص المطلوب . أما صيغة الاعتراف فهي صيغة اتهامية ويستنتج فيها بأن الشخص المذكور لديه معلومات يريد إخفائها . ويقصد بها تالياً توريطه. وكان الأسلوب هذا متبعاً لدى الأجهزة الأمنية البعثية لإتهام المواطنين وإجبارهم للتعاون مع أجهزة الأمن .