banarlogo

ظاهرة التكفير ومسوغاتها

ظاهرة التكفير ومسوغاتها

 

 

الدكتور ثامر عبد المهدي حربي التميمي

 

الجامعة الإسلامية

 

تعدُّ ظاهرةُ التكفير التي ظهرت بين صفوف المسلمين من الظواهر الخطيرة والهدامة للمسلمين منذ نشأتها وحتى وقتنا الحالي إذ فتتت وحدة المسلمين وتماسكهم ومزقت المجتمع الاسلامي وقضت على الفرد المسلم ،فظاهرة التكفير زرعت بذور الفرقة والحقد والبغضاء بين المسلمين ونهت على التراحم والتسامح والمودة والمحبة والألفة فيما بينهم .

ظاهرة التكفير استنزفت جهود المسلمين واستنفذت طاقاتهم التي يجب أن يدخروها لمصلحة الإسلام والمسلمين لمواجهة أعداء الدين والإسلام كي يحافظوا على هيبة الإسلام ومنهجه الصحيح .

فالظاهرة هي ممارسة وآيديولوجية في الإطار الإسلامي وظاهرة اجتماعية تاريخية لم تأتِ من فراغ ،بل كانت لها أسبابها ومسوغاتها ، وقبل التطرق إلى مسوغات ظاهرة التكفير لا بد من إعطاء تعريف موجز للتكفير .

فالتكفير في اللغة هو بمعنى الجحود ويأتي بمعنى جحود النعمة وهو ضد الشكر ويأتي بمعنى نقيض الإيمان وكذلك يأتي بمعنى التغطية والستر ،كذلك بمعنى ظلمة الليل وغيرها من المعاني اللغوية.

أما اصطلاحاً فهو يأتي بمعنى جحود الله سبحانه تعالى وتكذيب النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكل ما جاء به، وبعبارة أخرى إنكار ما علم بالضرورة مجيء الرسول به، وكذلك الشك في الله سبحانه وتعالى أو في وحدانيته وإنكار وجود الصانع أو إنكار صحة القرآن الكريم أو إنكار الشرائع التي علمنا بالضرورة كونها من دين النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كوجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج وحرمة الربا والخمر.

مسوغات ظاهرة التكفير

هنالك مجموعة من الأسباب والمسوغات تكاملت فيما بينها وأدت بالتالي إلى ظهور هذهِ الظاهرة ومن أهم هذهِ المسوغات والأسباب :

  1. السبب السياسي :فقد يؤدي الخلاف السياسي بين المسلمين إلى بروز هذهِ الظاهرة كما حدث أيام تولي الخلافة عثمان بن عفان و أدى بالنهاية إلى مقتله ،وكذلك ظهر بشكل واضح للعيان أيام خلافة الإمام علي (عليه السلام) في قضية التحكيم في معركة صفين مع معاوية ابن أبي سفيان .
  2. السبب الفكري: و يعود إلى الأفكار فنتج عن ذلك ظهور الإلحاد والزندقة في المجتمع الإسلامي ،وكذلك الأفكار الناشئة عن الاختلاف في وجهات النظر في متشابه القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف أو الاختلاف في فهم النص ،فبعض من المسلمين اختلفوا فيما بينهم في استنباط أو استخراج الأحكام الشرعية وذلك بسبب الخصائص اللغوية للألفاظ كالاشتراك اللفظي والمعنى الحقيقي والمجازي واللفظ المنقول .
  3. اتباع الهوى والشيطان : إن من الأمور التي أدت إلى تكفير المسلمين لبعضهم البعض هو اتباع هوى النفس دون الاعتماد على دليل نصي قطعي ،وإنما لمجرد اتباع ما تأمره نفسه الإمارة بالسوء ،وهذا يُعد مصدراً من مصادر الفساد والضلال بين الناس ،وكذلك اتباع الشيطان بما يوسوس له .
  4. التعصب المذهبي الممقوت :فقد نهى الشرع عن التعصب الذهبي والديني ودعا إلى الوسطية في الدنيا ؛لأن التعصب والتشدد يؤديان إلى التباغض بين المسلمين ويقضيان على روح المحبة والتسامح والتعاون بينهم ،فالاختلاف في بعض المسائل سواء اكانت عقائدية أو فقهية بين علماء المسلمين هو بحد ذاته صحة لهم ويدل على سماحة الإسلام .
  5. قلة التفقه في الدين، إن عدم التفقه في الدين أو قلة أو عدم الإحاطة به بشكل تام وكامل يعد عاملاً رئيساً في الوقوع في خطأ تكفير المسلم البريء دون وجه حق ، ولذا أكد الإسلام طلب العلم والتفقه في الدين ؛لأن فيه نجاة المسلم من الوقوع في الهلاك ،فيجب على من يتصدى للفتوى واستنباط الأحكام الشرعية أن يكون على دراية وملماً بآيات الاحكام والاحاديث وعالماً بالتأويل وسبب نزول الآيات ويعرف الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والمطلق والمفيد والمجاز والحقيقة والحكم والمتشابه وغيرها من الأمور .
  6. التقليد الأعمى للسابقين دون بصيرة ،فالتقليد هو محاكاة الغير في قوله أو فعله أو هيئة أو الأخذ بقول الغير من غير معرفة الدليل ،فبعضهم يقلد السابقين تقليداً اأمى دون دليل إجمالي أو تفصيلي ،فالمقلد المتعصب والمتشدد لفرقة معينة أو مذهب معين يكون تقليده في بعض الأحيان على غير علم ودراية وقد يقول ما لا يعلم ،وبهذا يكون قد ارتكب محرماً وهو لا يشعر بذلك نتيجة جهله وتقليده الأعمى.
  7. الاقتصار على قراءة كتب معينة دون غيرها إذ أن بعضهم يقرأ كتباً معينة ولفئة معينة أو جهة معينة أو فرقة معينة أو لمذهب معين، تاركاً قراءة كتب الغير أو الاتجاه الآخر، وقد يكون ما قرأه من كتب معينة قائمة على أسس غير علمية وغير موضوعية وغير منهجية وغير منطقية وفيها تحامل وتعصب على الآخرين ،وهذا بالتالي يؤدي الى تكفير الآخرين دون فهم معتقداتهم ومعرفة علومهم .
  8. تقديس التراث : إذ يعد تقديس التراث أحد الأسباب الأساسية للتفكير ، فالتكفيريون يبحثون على نص منسوب إلى الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم ) دون أن يتأكدوا من صحته ويتشبثون به لتبرير أعمالهم التي يعدوها جهادية ،ولكن التراث الإسلامي في المقابل فيه كثير من الغث إلى جانب السمين والسقيم والصحيح والمبين والمحكم إلى جانب المحجل والمتشابه، ولذا يجب غربلته وتصفيته وإخراج الأحاديث غير الصحيحة وغير الموثوق بها والضعيفة منه .
  9. التشدد الديني : فإنَّ التشدد في الدين وفي تعاليم الإسلام والتعميق فيه يقود أو يساعد على التكفير ،إذ أن التعمق والتشدد فيه مذموم في الإسلام لأن الإسلام دين الوسطية لا الإفراط ولا تفريط ،والتشدد في أحكام الدين يؤدى أما إلى الإفراط أو التفريط وبالتالي يوقع في التطرف الديني الذي ينتج عنه التكفير بمعنى إخراج الآخرين عن ملة الدين واستباحة دمائهم وأموالهم وأعراضهم .
  10. النظرة السطحية ، فإنَّ النظرة السطحية للدين هو أشبه بالجهل والجهل يعد أحد عوامل انتشار العداوة والبغضاء والحقد بين الناس ، لذا يكون الجهل بتعاليم الإسلام وقيمه ومعتقداته أو النظرة السطحية إليه أحد أسباب ظاهرة التكفير وانتشارها في المجتمع الإسلامي .
  11. سوء الظن : وهو أحد أسباب بروز وانتشار ظاهرة التكفير وهو سوء الظن بالآخرين وحملهم على أسوأ الاحتمالات وإبعادهم عن الصحة ، إذ أن التكفيريين ينظرون إلى مخالفيهم في الرأي بمنظار قاصر وقاتم ، فإن الآخر أو المخالف لهم في الرأي أسود قاتم لا يملك من الحق أي شيء ، فمثلا إذا فعل المخالف لهم فعلاً عبادياً له محمل صحيح ومقبول ، وله أيضاً محمل فاسد غير صحيح فإنهم مباشرةً يسارعون إلى توجيه الاتهام إليه ويحملونه على المحمل الفاسد غير الصحيح وبالتالي يكفرونه وهكذا في باقي الأمور ، دون أن يبحثوا أن و يتمحصوا على المحمل الصحيح ، ولا يلتمسوا له العذر.