ataba_head

حزب البعث وانتهاك الأعراض – الجرائم المسكوت عنها

حزب البعث وانتهاك الأعراض – الجرائم المسكوت عنها

أ.د. حسين الزيادي

العراق- جامعة ذي قار

   ابتكرَ نظامُ البعث سابقة إجرامية في تأريخ الأنظمة القمعية في العالم وهذه السابقة تشير إلى دناءة وخسة وإجرام هذا النّظام في التعامل مع معارضيه، وهي اعتقال العوائل أطفالاً ونساءً، وبهذا الصدد فإن الحوادث أكثر من أن تحصى وعلى امتداد فترة حكم البعث من 1968إلى سقوطه، فقد كانت العراقيات يعتقلن بشكل تعسفي، ويتعرَّضن للركل والصقع بالكهرباء وتعليقهن من رؤوسهن ولشتى أنواع التعذيب وصولاً إلى الاغتصاب، وقد يجري ذلك أحياناً أمام أفراد من عائلاتهن، وتُحتجز آلاف العراقيات لأشهر أو حتى لسنوات، وقد يُحكَم عليهن بالإعدام في بعض الأحيان استناداً إلى اعترافات منتزعة تحت التعذيب، وتشير التقارير إلى أن حوادث الاغتصاب التي أعلن عنها في معتقلات وسجون البعث لا تشكل  إلا 1 % من حجم جرائم الاغتصاب التي تعرّضت لها المعتقلات العراقيات، وتشتد حملات الاحتجاز والاعتقال للنساء في المراحل التي يتعرض فيها نظام لهزات وتحديات ، إذ أن جدران السجون والمعتقلات ضاقت بالأعداد الكبيرة من السجينات المحتجزات، وفي أحيان كثيرة لا يتم الفصل بين المعتقلات والمعتقلين .

وفي هذا الصدد ووفقاً لمقولة – وشهد شاهد من أهلها-  يقول القيادي السابق في حزب البعث (معاذ عبد الرحيم) في مقابلة مع قناة العراقية بتاريخ 27/3/2021 في برنامج (خطى) الذي يقدمه الإعلامي علاء الحطاب ، بأن نظام البعث مارس هذه الجريمة وقد لخّص ذلك بعبارة (كنا نخاف على أعراضنا) هذا بالنسبة للقيادي في حزب البعث فما بالك بالآخرين؟

 وقد كان النظام المنحرف يبتغي من وراء ذلك تحقيق هدفين الأول إجبارهن أي النساء على الاعتراف بما يريد من أجوبة، والهدف الآخر  هو إذلال الخصوم وإخضاعهم وكسر كبريائهم ، لكن هذا الملف يبقى ضمن (المسكوت عنه) لأسباب معروفة تتعلق بالتقاليد والأعراف والبنية الاجتماعية وسمعة الفرد والعائلة،  ولهذا فإن نظام البعث قد عرف منذ بدايته أهمية هذه الوسيلة في إخضاع المعارضين.

    ولهذا فأي عاقل أن يتصور الوضع في العراق إبَّان فترة حكم حزب البعث من حيث الإرهاب والتخويف والقمع وإجبار الشعب بأكمله على الخضوع والطاعة في هذا السياق فقد وجدت على سبيل المثال لا الحصر في إحدى وثائق الأجهزة القمعية معلومات عن مواطنات كن طالبات في الجامعة اعتقلن بسبب نكته أمام زميلاتهن وبعد التحقيق حكمن بالإعدام (بحسب الوثيقة)، ومن الثابت لدى أجهزة التوحش تلك هي إحدى أساليب (التحقيق) هو تعمد إيذاء المعتقل في أعضائه التناسلية بما يجعل الضحية مستعداً للتخلص من هذا الوضع  حتى لو اعترف على نفسه، وقد ثبت ذلك الأسلوب في السجون البعثية بشكل واسع, وقد استعملت هذه الوسائل مع الرجال والنساء على حد سواء، وإذا كان هذا يحدث في التحقيق  فإن من الواضح أن اغتصاب النساء كان قائما بشكل هائل .

 إن في فترة حكم حزب البعث منذ 1968 كانت الأعراض تنتهك بشكل سافر ، حيث كشفت شهادات معارضين سابقين تعرضوا للاعتقال فترة حكم البعث, إن هناك حالات اغتصاب وقعت أمام أنظار ذويهن من الآباء أو الأزواج لإجبارهم على الاعتراف في مشاهد مروعة يعجز العقل البشري عن تحملها مهما كانت عقيدة وتقاليد صاحبه، فهذه الطرق البدائية الهمجية تنم عن وضاعة .

 لقد مورس انتهاك الأعراض خلال حكم البعث على الجميع رجالا ونساءً وعلى نطاق واسع وإذا كان قد كشف النقاب عن الكثير من الانتهاكات التي وقعت على الرجال والتي لا حصر لها فإنه لم يكشف النقاب عن موضوع انتهاك أعراض النساء بشكل كبير وهذا بطبيعة الحال له أسبابه الموضوعية الحساسة، فمن حيث المبدأ وبما أن انتهاك عرض أي ضحية يعتبر (عارا ) وفق القيم الاجتماعية السائدة فإنه من الصعب أن تجد امرأة أو عائلة تقول بأنها انتهك عرضها بشكل علني.

ونتيجة الاغتصاب النساء والاعتداء على شرفهن وكرامتهن من قبل رجال أمن النظام حصلت ولدات أطفال غير شرعيين سجنوا مع أمهاتهم في ظروف رهيبة مما تسبب بإيجاد عقد نفسية وأمراض مختلفة لدى الطفل السجين، عموماً فإن الأدلة والشواهد على هذا الملف كثيرة و لا تقبل الشك لكنه يبقى ضمن المسكوت عنه ويبقى شاهداً على الدوافع الإجرامية الدنيئة لنظام أحرق النسل والحرث, وإن ما يتم ذكره من القصص الخاصة بهذا الجانب ليست للإثارة بل لتحفيز الضمائر الإنسانية ووضعها أمام جحيم الكارثة التي عانها العراق إبان حكم هذه الطغمة الظالمة، لا نريد هنا أن ننكأ الجراح القديمة من جديد لكن أرشيف البعث المجرم لابد أن يكون حاضراً.

 وهنا لابد من التأكيد على أن جميع هذه الجرائم التي ذكرت وما نتج عنها من أضرار جسيمة موثقة بملفات رسمية دونها النظام المباد من خلال دوائر أمنه القمعية، وتوجد كذلك أفلام توثق بعض الجرائم إضافة إلى شهادة الملايين من أبناء العراق الذين كانوا من ضحايا هذه الجرائم. وهذه الأدلة تؤدي إلى تحقق الجرائم المرتكبة من حيث وصفها القانوني لوجود الركن المادي والمعنوي والدافع الباعث على الجريمة.