ataba_head

قصة وثيقة (9) الهروب من الحرب

قصة وثيقة (9)

الهروب من الحرب

الباحث : عبد الهادي معتوق الحاتم

 

 

 

 

وثيقة من صفحة واحدة موجهة من وزارة الداخلية (مديرية الأمور الجنائية) إلى كافة المحافظات العراقية ومديرياتها الأمنية بتاريخ 6/10/1987 وتحت الرقم التسلسلي 17248 ، مرقونة على الآلة الكاتبة وعلى صفحة بيضاء، وعليها اسم وزير الداخلية سمير محمد عبد الوهاب .

ويلاحظ في أسفل الصفحة ذاتها وثيقة أُخرى موقعة من قبل مدير أمن أربيل ، إنما منسوبة للوثيقة الأُولى وتشير إلى تعميمها على كافة مديريات الأقسام الأمنية .

تحمل هذه الثانية الصادرة بتاريخ 24/10/1987 رقما تسلسليا آخر وهو 6796 ، ويذكر فيها بأن مديرية أمن أربيل أُبلغت بالبرقية ؛” أي الوثيقة الأولى الصادرة من وزير الداخلية ” من خلال برقية أمن عام بتاريخ 18/10/1987 وتحت الرقم 17619 .

ولا بد من الإشارة إلى بعض رموز مستخدمة في الوثيقة وهي (ق ،س) في أعلى يسار الصفحة أي (القسم السياسي) في المديرية المذكورة في الوزارة ، في الوثيقة الثانية المنسوبة إلى مديرية أمن أربيل نلاحظ (ش ،ج ) ، يعني شعبة الجنود .

أما اسم “شقلاوة ” المكتوب بخط اليد على الوثيقة ، فيبدو أنه من عمل مديرية أمن أربيل ، ذلك ان الرقم التسلسلي (3248) والذي وضعه ضابط أمن قضاء ” شقلاوة ” بتاريخ 30/10/1987 مع كلمة ” يُعمم ” يشير إلى خط شخص آخر يختلف عن الخط الذي كتب به في أعلى الصفحة .

مضمون هذه الوثيقة هو تشكيل مفارز مشتركة لملاحقة الهاربين من الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) حينئذ وتبين لنا هذه الوثيقة بأنه كان هناك خطة أمنية عسكرية وحزبية للسيطرة على ظاهرة الهروب من الحرب .

وتشير برقية الوزير إلى نجاح تلك الخطة في محافظات ( ميسان ، ذي قار ، ديالى ، نينوى ، القادسية ، بابل وأمانة بغداد ).

أما ” التعميم ” كما ورد في الوثيقة الثانية الملحقة والموقعة من قبل مدير أمن محافظة أربيل ، فهو جزء من المضمون ذاته من خلال توسيع الملاحقة في جميع المحافظات.

تندرج هذه الوثيقة ضمن تلك الوثائق التي تتعلق بالهروب من الجيش والحرب وهناك وثائق أُخرى وفي الفترة ذاتها صدرت بحق الهاربين من الحرب ، أشار بعض منها إلى فصلهم عن زوجاتهم قسراً ووفق قرار خاص من مجلس قيادة الثورة . وقد تنوعت القرارات المتعلقة بذوي الهاربين إضافة إلى المراقبة الأمنية لحياتهم اليومية بين الترحيل إلى إيران والسجن والفصل من المؤسسات الحكومية .

يلاحظ في سياق هذه الوثيقة بأن الهاربين من الحرب، كان يطلق عليهم صفة المجرمين وعلى الجهات الأمنية (تخليص المجتمع من أعمالهم العدوانية وجرائمهم) كما جاء في لغة الوزير.

وهناك صيغة أُخرى في سياق اللغة ذاتها تشير إلى إنحراف اجتماعي ، اقتصادي وسياسي يشكله الهاربون داخل المجتمع ، وتقول الصيغة :

(خلق بيئة نظيفة خالية من البؤر المنحرفة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً والطرق بشكل مستمر على مصادرها والذي يشكل الهاربون مصدرها الأساسي)

وإذا راجعنا جميع القرارات التي صدرت بحق الهاربين من الحرب في وثائق البعث نلاحظ اللغة الإجرائية ذاتها ، والتي نقرأها في هذه البرقية .