ataba_head

حروب الجيل الرابع “حروب الإرهاب”

حروب الجيل الرابع “حروب الإرهاب”

الدكتور إحسان محمد الكرعاوي

 

 

 

التطور الهائل في شتى المجالات الذي يشهده العالم اليوم أظهر تأثيره على العلاقات الدولية وفي مقدمتها تطور أدوات الصراع العسكري, الأمر الذي انعكس على الحروب وحولها من حروب تقليدية إلى أن أصبحت تعرف اليوم بحروب “الجيل الرابع” 4GW  Fourth Generation Warfar والبعض يعرفها ﺒ”الحرب اللامتماثلة” أو “الحرب الغير متكافئة” أو “حروب اللامتوازنة” أو “الحروب الغير نمطية” أو “الحروب اللا تناضرية” ويطلق عليها الصينيون “الحرب غير المقيدة” أن فكرة هذه الحروب هو أن التنظيمات والجماعات والأفراد وهو يمثل الوجه العسكري للنظام العالمي الجديد في مظهره السياسي القائم على الفرد وما يعرف ﺒ”الفرد المعولم” بدلاً من الدولة القومية, وهي تلك الحروب التي تخوضها أطراف الصراع بين قوة نظامية “الدولة” ضد جماعات أو تنظيمات مسلحة غير نظامية تنتهج حرب العصابات كاستراتيجية في عملها فهي حروب استنزافية وتعتمد على تكتيكات لا علاقة لها بقواعد الاشتباك في الحروب التقليدية. وقد تستخدمها دولة ضد دولة أخرى والتي توظف فيها القوات الغير نظامية والتي تعتمد على نوع الفوضى والتي تستخدم كل الوسائل التكنلوجية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بهدف إجبار الدولة المستهدفة التخلي عن سياستها وأهدافها الاستراتيجية, ويصفها أحد مراكز الدراسات الاستراتيجية التابعة للجيش الأمريكي والمخابرات العسكرية بأنها: “تلك الحروب التي تكون بالإكراه وتعمل على إفشال الدولة وزعزعة الاستقرار فيها ثم فرض واقع جديد يراعي المصالح الأمريكية”.

القاسم المشترك في كل أجيال الحروب هو أن هدفها الرئيس إخضاع العدو أو الخصم لكن يختلف تحقيقها من جيل إلى جيل باختلاف طبيعة الأدوات وبيئة الصراع حتى حلت حروب في جيلها الرابع لتوظيف انماط صراعية جديدة لإخضاع العدو مثل التمرد الداخلي وتوظيف كل ما هو متاح من شبكات سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية ولعل هلامية أدواتها مقارنة بالأدوات السابقة للحروب جعل بعض المختصين شكك بفاعلية تلك الحروب ومقدرتها على تحقيق النتائج المرجوة باعتبار أن أدواتها غامضة وأهدافها غير قابلة للتحقيق ومكلفة للغاية وممتدة زمنياً بحيث يصعب توقع نهاياتها ناهيك عن نتائجها.

 وظهر مفهوم حروب “الجيل الرابع” بواسطة فريق من المحللين الأمريكيين نتيجة حرب الأمريكية على تنظيمات الارهابية في افغانستان, واطلقت تسمية الجيل الرابع على الحرب التي تقوم بها التنظيمات والجماعات الارهابية. يقوم “الجيل الرابع” من الحروب على خلط الأوراق وبناء مساحات واسعة من الالتباسات المفاهيمية والمؤكد أن حروب الجيل الرابع هي أكبر نقلة نوعية في تاريخ التخطيط العسكري منذ معاهدة وستفاليا عام 1648 لأنَّ هذا الجيل من الحروب ينهي نسبياً احتكار الدولة القومية شن الحروب باتت التنظيمات والمليشيات والجماعات تشن الحروب ضد الدول, اخذت الدول وخاصة الغرب منها تطوير أجيال الحروب لهدف تخفيض فاتورة حروبهم فهم يطمحون إلى عدم المواجهة العسكرية المباشرة فهناك من يقوم بهذا الدور من ابناء الدولة نفسها, فالدولة التي توظف تلك الحروب تحصل على مكاسب سياسية واقتصادية ولهذه الحروب أهداف منها:

  • انهاك القوة العسكرية المستهدفة وإخراجها من معادلة القوة “توازن القوة” وإضعاف تدريجي في إرادتها من أجل إجبارها على تنفيذ ما تريده القوى التي تستخدم هذا النوع من الحروب.
  • إفشال الدولة وتقويض أسسها ليصبح جزءا من أرض الدولة المستهدفة خارج سيطرتها وهو يعد أبرز التحديات الأمن القومي للدولة.
  • من الناحية الاقتصادية انهاك الدولة واستنزاف مواردها الأمر الذي يوقف العجلة الصناعية فيها وامتناع الدول عن اقراضها بسبب وضعها الأمني والدول المقترضة والمانحة تفرض شروط مجحفة بحقها.

تتسم تلك الحروب بوجود جماعات وأفراد لا يرتبطون مباشرة بالدولة المحركة ويعملون داخل الدولة المستهدفة فهم يستغلون أرض الدولة جغرافيتها وتكون ساحة لعملياتهم على نطاق واسع وتكون الحرب في ساحة غير محددة الأمر الذي يجعل قوة الدولة العسكرية ضعيفة بالمناورة والدفاع, عكس الحرب النظامية بحيث تحدد مسرح عمليات العسكرية وتكون ساحة الجيشين للقتال, كما أن هذه الحروب تكون طويلة وذلك لاعتمادها على تكتيكات الحرب العصابات واسلحة غير تقليدية مثل المفخخات والأحزمة الناسفة وهو سمة الحرب على الإرهاب.

الحروب التقليدية يكون المستهدف بها الجيش والسلطة الحاكمة بينما “حروب الجيل الرابع” يستخدم بها عدة أنواع من الوسائل مثل الطائرات بدون طيار والمفخخات والكمائن والأحزمة الناسفة والقنص والاغتيالات والتخريب, وهي حروب الدولة ضد ” اللادولة” وتعتمد فكرة هذه الحروب على تدهور فكرة الدولة وتعاظم الولاءات لثقافات فرعية الأمر الذي تسبب بإضعاف التجانس المجتمعي مما جعل سلطة الدولة تصاب بالضعف وأجبرها انتهاج سلوك سياسي معين وشجع ظهور كيانات داخل الدولة لها اليد الطولى في الدولة مثل القبائل والجماعات العرقية والدينية والمذهبية.

فقد كان للعولمة الدور البارز في تلك الحروب وانتشارها فقد وظفت الأدوات التي أنتجت عن العولمة كالتطور التكنلوجي وانتشار شبكة الانترنيت التي سهل عملية التواصل بين أفراد الجماعة المتطرفة كما أن انتشار الفضائيات واستخدام وسائل الإعلام المختلفة للترويج لأفكارهم وتجنيد أفراد جدد لهذه الجماعات ونشر عملياتهم لإضعاف التماسك المعنوي والنفسي للقوات العسكرية.

التنظيمات المتطرفة وفي مقدمتها “تنظيم داعش”  الذي يعد من أخطر التنظيمات الإرهابية التي واجهها العالم باسره تكمن خطورته باستخدام العنف المفرط واعتماده على الجمع بين القدرات التقليدية للجيوش النظامية والقدرات التي تستخدم من قبل حرب العصابات “الجيوش غير النظامية” وذلك لوجود ضباط سابقين في الجيش العراقي السابق انضموا لهذا التنظيم تمكنوا من الاستفادة من المعدات والأسلحة العسكرية التي تركتها القوات العسكرية منسحبة من المدن التي سيطر عليها التنظيم مما اكسب هذا التنظيم خبرة عسكرية هائلة.

وقد استخدم التنظيم “داعش” ثلاث استراتيجيات في عملياته العسكرية:

  • استراتيجية “إرباك المدن” وهي استراتيجية تعتمد على زرع العبوات والقناصين والاغتيالات لخلخلة الأمن وعدم الاستقرار وتحريك الخلايا النائمة التي زرعت في السابق مستغلين إيجاد حواضن لتلك الخلايا داخل المدن.
  • استراتيجية “شد الأطراف” وهو القيام بعمليات تصعيد في الأطراف البعيدة عن المدن التي تعاني من ضعف مسكها من قبل القوات الأمنية وذلك لبعدها عن المركز وتصور كنجاح للتنظيم.
  • استراتيجية “الذئاب المنفردة” وهي استراتيجية تعطي عدم المركزية لأفراد في تنفيذ عمليات عسكرية.

ويرى خبراء في الشأن السياسي والعسكري أن أحد كوامن القوة في حروب الجيل الرابع أنها حروب غير رسمية و أحد كوامن القوة فيها أنها لا تتقيد بسيادة القانون, وتستخدم الايديولوجيا في هذه الحروب وتعتبر من لا يشاركها معتقدهم يعتبرون أهدافا مشروعة ضمن أعمال العنف التي تمارسها الحركات والتنظيمات المنخرطة في هذه الحروب وهذه التنظيمات تخرق القانون دائماً ولا تلتزم به.

أخذت الأبحاث والدراسات تهتم في التطورات والإجابة عن التساؤلات جوهرية حول كيفية التعاطي مع مصادر التهديد الجديدة الأمر الذي أثر جدياً في اتجاهات وخطط التسليح والتدريب التي يتبناها جيوش الدول العالم كافة مما دفعها بتشكيل قوات خاصة للتعامل مع الإرهاب ومكافحة فالعراق شكل جهاز متخصص يطلق عليه “جهاز مكافحة الإرهاب” ليكون قوة قتالية تمتلك قدرات والمهارات القتالية والكفاءة العملياتية اللازمة لخوض هذا النمط من الحروب.