ataba_head

محكمة الثورة …. مقصلة حزب البعث

محكمة الثورة …. مقصلة حزب البعث

م. م محمد الخزاعي

 

اعتادت الأنظمةُ القمعيّةُ ولا سيما الدكتاتورية في استخدام كافة الأساليب في تثبيت دعائم حكمها ومنها الأساليبُ غير القانونية في إعدام أو القضاء على معارضيها.

فلا يمكن أن ينسى كلُّ من عاش تلك الحقبة المظلمة إبّان هيمنة حزب البعث على الحكم في العراق اسم ” محكمة الثورة” البائسة التي يتحدثُ كلُّ من دَخَلَهَا عن  رائحة الظّلم التي تفوحُ من جدرانِها ,والجبروت والطغيان الذي كان يتطايرُ من قضاتها , ونسائم المظلومية المستضعفة التي كانت تُقاد إليها مجاميع مجاميع! وتسمع من بين ثنايا جدرانِها صدى آلات التعذيب وأدواتها التي كانت تتلاقفها أجسادُ السّجناء والمعتقلين الأبرياء ,ويتشابكُ ذلكَ الصّدى مع أنينِ المعذّبين الممزوج بالدّعاء والاستغاثة ممّا هم فيه ويروي من كتب الله له عمرا للخروج منها حيّاً أنَّ الجدرانَ كانت ملطخةً بالحبر الأزرق وبصمات الأصابع بشكلٍ رهيبٍ ينمُّ عن آلاف البصمات المركبة بعضها مع بعض ولا يكاد يوجد مكان خال منها.

 تلك البصماتُ الّتي تحملُ كلُّ واحدةٍ منها قصّةً وروايةً بطلُها عراقيُّ مظلوم لا ذنبَ له إلا أنَّه لم يرضَ بأن يقودَ العراقَ لصٌّ قَدِم من أرصفة “العوجة” وزواياها التي أنتجت العصابات الإجرامية.

فهكذا كانت محكمةُ الثّورة سيئة الصّيت التي ارتبطَ اسمُها بالإعدامات الجماعيّة لأفرادٍ ومجموعاتٍ سواء بتهمة أم بغيرها , فكانت مقصلةً يذبحُ النّظامُ على منصتِها العراقيين لما عُرِف عنه دمويته المعهودة.

شاءت أقدارُ العراقيين أن يكونَ عواد حمد البندر رئيساً لهذه المحكمة على الرّغم من أنَّه ليس قاضياً ولم يُعرف عنه أنه تخرّجَ من المعهد القضائي  فهو خريجُ كلية الحقوق وشغلَ منصبَ مدير الشؤون القانونية في مؤسسة الموانئ العراقية بالبصرة في بداية السبعينات, ثم تولّى المسؤوليةَ نفسَها في مجلس قيادة الثورة عام 1977. بعدها استلمَ رئاسةَ محكمة الثّورة عام 1979 حتى عام 1991 ,وعمل بعدها نائباً لرئيسِ ديوان رئاسة الجمهورية الذي كان يشغله أحمد حسين السامرائي.

هذا الرّجل الذي كان يطلقُ أحكامَهُ الجائرةَ بحقِّ العراقيين قدّم إنموذجاً إجرامياً دموياً للعقليةِ البعثيّة في الهيمنةِ على العراقيين , إذ كشفت الوثائقُ التي رأت الضّوءَ بعد سقوط النّظام البعثي عن دوره في إعدام الآلاف من العراقيين , اشتهر منها قضيةُ الدجيل التي أصدر البندر فيها قراراً بإعدام 148 مواطناً عراقيّاً مرةً واحدةً , تلك القضية التي تمت محاكمتُهُ عليها ليأخذ الظالم جزاءه العادل في إصدار حكم الإعدام بحق عواد البندر, لتنتهي بذلك مسيرة أحد أزلام النظام البعثي البائد , إلا أنَّ أحكامه ما زال العراقيون يعانون منها ولا سيما الذين فقدوا أباءهم وأبناءهم نتيجة لإجرام تلك المحكمة التي قضت على أحلام وأرواح الكثير من العراقيين .