تنظيم داعش و الإبادة الثقافية في العراق
قراءة في دراسة هيلين مالكو
الأستاذ المساعد الدكتور رائد عبيس
جامعة الكوفة
اهتمت “هيلين مالكو” بالتراث العراقي, وهي عالمة آثار أنثروبولوجية, حاصلة على تدريب في الحفاظ على التراث الثقافي والفعاليات المتحفية, ركزت أبحاثها على علم الآثار في الشرق الأدنى, وكذلك التدمير المتعمد للمعالم الأحادية, والمناظر الطبيعية التأريخية في العراق, وتأثيرها على المجتمعات المحلية. كما قدمت اهتمام علمي بالتمثيل الثقافي في المتاحف العراقية, والأفكار ذات الوعي التأريخي.
درست بشكل دقيق استهداف داعش الوحشي للآثار, بكل أبعادها الدينية , والحضارية التاريخية , الإسلامية وغير الإسلامية, القديمة تاريخياً والقريبة, ما كان منها بالمتاحف أو كشواهد في معالم المدينة, أو كشواخص واقعية , أو الكتب في المكتبات والمخازن الوثائقية.
تساءلت الباحثة عن وحشية هذا الاستهداف لكل ما هو تاريخي, وتدمير كل ما هو راهن , لأهداف مستقبلية في مشروع دولة داعش المزعومة اتجاه الوعي التراثي والثقافي لحضارة العراق والعراقيين.
كما أنها اعتمدت على التوصيفات الرسمية لمنظمة الأمم المتحدة اليونسكو, ومنظمات دولية أخرى في توصيف الجريمة الثقافية على أنها “إبادة ثقافية” ؛ لأنَّ داعش أزالت ودمرت آثار قد يكون من المستحيل إعادتها , كما أنها عملت على تقطيع أوصال الانتماء بين الأبعاد الثقافية لهذه الموروثات مع الوعي الجمعي للمجتمع ,بكونها من الشركيات, والمحرمات, والمكروهات, المتنافية مع أحكام داعش التي تدعي أنها تستند إلى الشريعة الإسلامية, كما بينتها الباحثة بموضوعية وقالت ” أن داعش نسخة مزيفة من الإسلام ” .
شخصت هذه الباحثة ,سلوك داعش المقصود اتجاه جميع السكان الموجودين في مدينة الموصل وغيرها من المدن , ممن يشكل وجودهم وسكنهم في تلك المدن بعداً حضارياً, فضلاً عن موروثهم الثقافي المادي , والمعنوي الذي يتعلق بالفلكلور والذي منع تنظيم الرهابي داعش وجوده أيضاً , وأقامته, أو ممارسته, مثل : المسيحيين الآشوريين, والأيزيديين, والمسلمين الشيعة, والتي استبدلها بطقوسه ومظاهره, وتعاليمه, مثل : فرض الزي الخاص به. في الوقت نفسه، نفذ تنظيم الدولة الإسلامية حملة منهجية استهدفت مواقع التراث الثقافي ، بما في ذلك الكنائس, والأضرحة ,والمقابر, والمساجد, والمدن القديمة, والتحف.
بالإضافة إلى ذلك ، قامت بنهب, وتدمير المتاحف, واحراق المكتبات, والكتب, والمخطوطات النادرة. وعلى هذا الأساس تم الاعتراف رسميًا, وبحسب ما وصفته اليونسكو بأن ما قامت به داعش , هو تطهير عرقي وثقافي بحق الأقليات والمكونات الاجتماعية في المدن التي احتلها وأبرزهن الموصل.
سجلت هذه الباحثة استغرابها من غياب الاهتمام الأكاديمي في الجامعات العراقية, بدراسة آثار داعش المدمرة بحق التراث, والآثار, والمعالم الثقافية , والدينية , والحضارية, الخاصة بكل مكون من مكونات المدينة.
وقالت : ” إن مناقشة الآثار المدمرة للتراث الثقافي في المجتمعات المحلية في الموصل لا تزال كما في بقية مدن العراق غائبين عن العمل الأكاديمي” .
وبالفعل أن الضرورة الملحة لدراسة هذا الموضوع متأتي من قصدية داعش, وتعمده لتدمير كل المواقع التراثية ومعالمه في العراق.
ركزت دراسة هيلين مالكو على عدة أمور منها :
- توثيق التراث المتضرر,
- عائدات تنظيم الدولة من بيع القطع الأثرية الثقافية المنهوبة ،
- هل تدمير المواقع التراثية كانت ضمن المواقع المسجلة والتي تشملها القوانين الدولية المتعلقة بتدمير التراث الثقافي وحمايته,
- استخدام وسائل الإعلام من قبل دراسات أخرى, مثل: الدوافع, والطقوس المتعلقة بهجمات داعش على المواقع التراثية, وفحص عدوان المجموعة ضد التراث الثقافي في العراق كجرائم ثقافية ,
- لا توجد دراسات حول تدمير هذا التراث في سياق التطهير العرقي والديني.
- ويرجع ذلك جزئيًا إلى الانفصال المفترض بين المجتمعات المحلية والأماكن التراثية ، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالمواقع, والتحف القديمة في بلاد ما بين النهرين. في معظم الأحيان ، يتم تحليل هذا التراث بمعزل عن المجتمعات المحلية ، ويعتبر تدميره في الأساس هجومًا على الغرب. بكوها تحدي للمنظمات الدولية المعنية بهذا الأمر !
- التأكيد على الصلة بين التراث الثقافي “العالمي” وبعده المحلي.
- التأكيد على دراسة الأضرار النفسية والثقافية جراء عمليات التدمير التي طالت آثار المدينة على نفوس أبناء الموصل والعراق.
بكون التراث الثقافي ليس ثابتًا ولا متجمدًا بل يعتمد على المحفوظ والمصرح به, يميل خطاب التراث إلى تأطيرها بكونها ثقافة حية, ومتطورة عملياً بالمعاني, وصنع الذاكرة , وإعادة صياغتها. وبالتالي ، فإن تدميرها هو هجوم على الذاكرة, والهوية, والشعور بالانتماء الذي يشعر به المجتمعات المحلية أي “إبادة ثقافية”.
See: Cultural Genocide Law, Politics, and Global Manifestations, Edited by Jeffrey. Bachman , Heritage wars: a cultural genocide in Iraq, Helen Malko.