banarlogo

عندما تكون الإبادة الجماعية جريمة فردية !

عندما تكون الإبادة الجماعية جريمة فردية !

الأستاذ المساعد الدكتور رائد عبيس

جامعة الكوفة

 

 

تستند فكرة هذا المقال إلى الأصول المنهجية في علمي الأنثروبولوجيا وعلم اجتماع العنف، وفرزهما الدقيق عن أصل الفعل الإجرامي في حوادث الإبادات الجماعية، إذ إنَّ هذين العلمين يفرقان بين جريمة الإبادة الجماعية بدوافعها الجمعية، عن جريمة الإبادة الجماعية بدوافعها الفردية. والسؤال الذي يحضر هنا، ما دور القرارات الفردية في إحداث إبادة جماعية ؟

استندت معطيات مثل هذه التخصصات على استبانات ورصد حقيقي، لبحث وتدارس دور الفرد بوصفه قائدا أو منفذا لعمليات إبادة أو جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية حتى توفر إجابة دقيقة عن مثل هذا السؤال .

توصّل باحثون من هذين العلمين وأبرزهم دونالد هوروفتز، وآدم جونز إلى أنَّ المحرك الأساس لأغلب جرائم الإبادات كانت خلفها منظمات يقودها أفراد يحاولون تفجير _بشكل وبآخر_ أعمال عنف تؤدي بالنهاية إلى جريمة إبادة جماعية ، ويعتمدون بذلك على إثارة الإشاعات والدعاية والطقوس والقوة والسرية والتدريب المسبق وتماسك المجموعة والتسليح وإثارة النعرات والمشاكل وإحداث أعمال شغب وتحرش بالسلطة أو بالجماعة المقصود إبادتها بدوافع عرقية  أو إثنية أو طائفية أو سياسية أو اقتصادية أو أحقاد تأريخية تتعلق بالقهر والغلبة والاستعباد … وغيرها.

توصّل أحد الباحثين وهو “بول آر برس” إلى أنَّ الفاعلين الأساسيين وراء تلك الجرائم هم أفراد يعملون خلف الكواليس ولا يظهرون إلا عند تحقيق المكاسب وأغلبهم من التجار ورجال الأعمال وقادة أحزاب وزعماء حركات وعصابات ومعلمين ينظرّون للشباب شرعية تلك الأعمال، وقادة عسكريين  وزعماء مليشيات وحمايات الشخصيات… وغيرهم ممن رصد سلوكهم التحريضي لهذه الدوافع والنوازع الشريرة، لإحداث إبادة جماعية بحقّ من تصاعد اتجاههم خطاب الكراهية والعداء والدعوة إلى القتل والنفي والإبادة.

سؤال : كيف تتضح الفردية في فعل الإبادة الجماعية ؟

الإجابة على هذا السؤال ممكن أن نختصرها كالآتي:

  • كثيرون هم من نفذوا عمليات قتل وإبادة بحق الإنسانية، ولكن لا نعلم شيئا عنهم سوى قادتهم.
  • غالباً ما يبقى في الذهن والذاكرة الجمعية في جريمة الإبادة الجماعية أشخاص محددون وأفراد كانوا سببا في أحداث هذه الجريمة.
  • أثر الفرد في قيادة هذه الجريمة وأحداثها والتخطيط لها، بمعنى أنَّها انطلقت من رأس فرد واحد وبتدبيره.
  • أثر القرار الفردي في التنفيذ أو الانسحاب أو الاستمرار في فعل الجريمة الإبادية.
  • قدرة فرد ما في الدعم المادي والفكري لتنفيذ هذه الجريمة.
  • قدرة فرد ما في إحداث فتنة معينة تحرك جماعة لتنفيذ الأمر بكل طاعة.
  • قدرة فرد واحد فقط في تنفيذ جريمة إبادة جماعية وذلك عبر استخدامه لتكنولوجيا الإبادة الجماعية  من أسلحة كيمياوية أو بيولوجية أو نووية أو حتى سلاح رشاش.
  • عادة تكون بحسابات شخصية من قبل تجار الحروب والأزمات لاستثمارها اقتصادياً.
  • يتضح الفعل الفردي المسؤول في إحداث إبادة جماعية عندما تستدعي المحاكم أشخاصا معينين لمحاكمتهم على مثل هذه الجرائم.
  • عادة تتجه كثير من الإفادات في المحاكم بعد التحقيق مع الفاعلين إلى اتهام شخص بعينه كان سبباً وراء تجنيدهم أو تغريرهم أو تشجيهم على الانضمام للحركات الإرهابية المتطرفة.
  • يتضح المسؤول الفردي عن مثل هذه الجريمة بعد دعوات التفاوض لإيقاف علميات العنف.
  • كما تتضح عندما يكون هناك استحواذ على أموال وغنائم من الطرف المجني عليه بفعل الإبادة وتقدم إلى فرد بعينه.
  • كما يتضح من توجيه خطاب للجماعة المتحاربة القائمة بفعل الإبادة بحق الآخرين.
  • كما يتضح أثر العامل الفردي وراء فعل الإبادة، عندما يكون قائدهم هو الأكثر استعداد وقسوة في تنفيذها منهم.
  • كما يتضح من خلال مُبررات الفعل التوجيهية المستندة إلى رؤية شخصية خاصة.

إن دراسة العقد الشخصية والدوافع الفردية في تنفيذ فعل إجرامي جماعي يصنف إلى مستوى إبادة جماعية، و يستحق دراسة سيكولوجية، واجتماعية، وانثروبولوجية معمقة، لما لها من مخاطر في تكوين “مثال” عن هؤلاء الفاعلين بكونهم “ملهمين، وقادة، وأبطال” يتقمص دورهم وتجربتهم القاتلة من قبل الشباب، كما في نموذج هتلر وصدام وأبي بكر البغدادي… وغيرهم.