ataba_head

دور العقيدة الأمنية للدولة في مواجهة التطرف

دور العقيدة الأمنية للدولة في مواجهة التطرف

د. إحسان محمد هادي

 

 

تعدُّ العقيدةُ الأمنية أهمية كبيرة لصانعي القرار والقادة السياسيين كونها دليلاً يوجههم على المستوى الداخلي والخارجي في اتخاذ القرار, فالعقيدة الأمنية باعتبارها المبادئ المنظمة التي تساعد رجال الدولة على التعرف بمصالح الجيوسياسية لدولتهم, والقدرة على التفاعل مع مصادر التهديدات والتحديات سواء الرئيسة منها أم ثانوية على جميع الأصعدة محلي وإقليمي دولي بمستويات القريبة والمتوسطة والبعيدة وسبل تحديد المتغيرات التي تتطلب مواجهة تلك التهديدات.

بعبارة أخرى العقيدة الأمنية للدولة يقصد بها مجموع الآراء والمعتقدات والمبادئ والنظم العقائدية المنظمة والمترابطة التي تشكل نظاماً فكرياً وقاعدة ومرجعية لمسألة الأمن في الدولة والتي بمجملها توجه سلوك الدولة الأمني سواء “تعاوني” أو “صراعي”, وتتبنى الدول هذه العقيدة عندما يتعلق الأمر بتعاطيها مع التحديات والقضايا والتهديدات التي تواجهها, وقد تتخذ العقيدة بعد آيديولوجي في النّظام السياسي كونها تستند عليه في إدارتها للدولة, كما تعطي هذه العقيدة إمكانية تفسير مجمل الأحداث ذات الطابع الأمني, فهي الاستراتيجية العليا للدولة حيث تعتبر فناً وعلماً متطوراً في استخدام القوى السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والمعنوية والعسكرية للدولة أثناء السلم والحرب لتحقيق الغايات والأهداف للدولة فهي المنظومة المعتمدة في قراءة القادة للبيئة الأمنية وعليها المعتمد في اتخاذ القرار وكيفيات استخدام القوة القومية للدولة في كافة اشكالها “سياسية, اقتصادية, عسكرية, ثقافية,…إلخ” وكيفية توظيف هذه القوى في تحقيق أهداف الدولة الاستراتيجية.

فالعقيدة الأمنية تربط بالأمن القومي للدولة لذلك تمثّل تصوراً يحدد المنهجية التي تقارب بها الدولة أمنها وعليه تكون عادة المرجع في أطروحات نظرية يتبانها صناع القرار لتحقيق المصالح والغايات وتحديد الأخطار والتحديات التي تواجه الدولة, ومن هنا يبرز رهان الدولة في الحفاظ على قيامها ومصالحها وأهدافها أمام كل من يتربص بأمنها من أخطار ومهددات وتحديات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

فالتهديدات الجديدة أدت إلى تغيير واضح في العقيدة الأمنية للدول تمثل ذلك بالتغير في العقائد العسكرية ونظريات الأمن القومي تعمل الدولة على  وحدة القرار السياسي فهو الموجه للتعامل مع التحديات والتهديدات, وتطوير الأمن ووسائل الدفاع الحديثة التي تعتمد بشكل اساسي ورئيسي على دور المعلوماتية ورفع مستوى الجاهزية القتالية وطرق تنظيم القوات المسلحة ورفع مستوى النوعية القيادة.

 نلاحظ الدول ذات المؤسسات الضعيفة كما هو الحال دول الجنوب التي تعاني الضعف في صياغة استراتيجية واضحة لعقيدتها الأمنية بعد ظهور تهديدات جديدة غير تقليدية اجتاحت العالم بعد التطور الهائل في المجال التقني والمعرفي.

فجسامة التحديات كبيرة التي أصبحت تهدد كيان الدولة ومن أبرز تلك التحديات ظاهرة التطرف والإرهاب العابر للحدود, فالتطرف اليوم الذي نشهده اليوم صحيح يلبس لباس ديني لكن في الواقع هو تراكمات لعوامل عديدة منها سياسية اقتصادية اجتماعية ثقافية وغيرها من العوامل التي جعلت من التطرف يتنامى ومن نتائج عدم التعامل معه أدى إلى زيادة حدته وخلق مجتمع مفكك منقسم على كانتونات متعددة منغلقة الأمر الذي أدى وتصاعد الصراعات الطائفية وصول إلى حد الاحتراب وانتشار ظاهرة الإرهاب.

الأمر الذي جعل العقيدة الأمنية للدولة ترتبط بعدة أبعاد لكي تكون فاعلة:

  • البعد السياسي: وهو يستند إلى الاستقرار السياسي للدولة وحماية الشرعية وجعل السلطة في الدولة تراعي المواطنة والتوازن داخل المجتمع, وعدم فقدان الثقة بين الجماهير والنظام السياسي سواء بفعل قوى خارجية أم داخلية, سواء مباشرة أم غير مباشرة.
  • البعد الاقتصادي: حماية الثروات والموارد الاقتصادية وتنمية عناصر التكامل الاقتصادي وتلبية الحاجات الأساسية كالغذاء وتعليم وصحة وسكن والحد من إحساس لدى المواطن بالحرمان الاقتصادي والحد من الفقر الأمر الذي قد يتسبب إحساس لدى المواطن عدم رضا ثم اللجوء إلى العنف وتهديد الأمن داخل الدولة.
  • البعد التكنلوجي والمعلوماتي: إذ لم يعد قياس قوة الدولة بما تملكه من قوة عسكرية بقدر ما تملكه من توظيف تقني ومعلوماتي بما يعزز فاعليتها فالحروب السبرانية أصبحت هي سمة الحروب الحديثة.

 أما التحديات على المستوى الداخلي يتمثل بالتعايش السلمي عدم التفرقة بين أبناء المجتمع الواحد, والحد من التهديدات ورصدها التي تحاول تفرق المجتمع وزعزعت الأمن الداخلي. على الدول إيجاد اليات لتلاحم وتوحيد المجتمع والحفاظ على الهوية الوطنية للدولة وذلك لمواجهة التفرقة المجتمعية والتطرف. فالتدخلات الإقليمية يكمن خطرها كونها تحمل أطماع توسعية وبسط نفوذ على حساب السيادة الوطنية للدولة, وعلى المستوى الدولي بروز ظاهرة العولمة بكافة ابعادها الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية أثر بشكل كبير على العقيدة الأمنية للدولة ومفهوم الأمن القومي. فالدولة التي لا تضع قراراتها بحكمة ودراسة تكون عرضة للتدخلات الخارجية في صياغة وتحديد عناصر أمنها القومي, فدور الدولة ومكانتها يحدد نوع استراتيجيتها ومستوى تفاعلها في التحدي والاستجابة للتهديدات الجديدة.

العقيدة الأمنية للدولة يجب أن تستند على المقاربة الأمنية والعسكرية للقضاء على الإرهاب فحسب وإنَّما القضاء على المسببات والعوامل التي ساعدت خلق بيئة ينمو فيها التطرف والإرهاب لذلك على مؤسسات الدولة بكل عناوينها تقع عليها مسؤولية مكافحة الإرهاب وتفكيك التطرف والاستناد إلى تخطيط استراتيجي لوضع مقاربة شاملة يسهم فيها الجميع من أجل الدولة وأمنها لذلك يجب تفعيل:

  • دراسة أسباب التي أدت إلى التطرف وتحديدها سياسية كانت أم اقتصادية أم اجتماعية أم غيرها.
  • تفعيل دور التربية والتعليم بما يخلق جيلا واعيا وطنيا ذا عقيدة وطنية.
  • تفعيل دور مؤسسات الدولة لتكون فاعلة ومتماسكة ومتعاونة فيما بينها لأجل مصلحة الدولة العليا.
  • صنع مراكز تفكير والاعتماد عليها في البحوث والاحصائيات التي تساعد صانع القرار في اتخاذ القرارات ذات الصلة بالأمن القومي, فهنالك مراكز تعمل على رصد الأفكار المتطرفة والحركات الإرهابية على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشارع.
  • الحد من العنف العابر للحدود وتحسين إجراءات المراقبة للحدود أن تقطع تدفق الموارد والإمدادات من مقاتلين وأسلحة التي تمول العنف وتأجيج الصراع الطائفي.
  • الحد من التمويل الأجنبي والعمل على تصنيف مصادر الأموال وتجفيف تمويل الجماعات العنيفة.
  • تفعيل التعاون المشترك الاقليمي والدولي لمواجهة التحديات الجديدة وتوحيد صياغة أمن إقليمي ودولي وذلك بالاستناد الى اتفاقيات لأجل تبادل المعلومات والخبرات والتدريب.