ataba_head

اللوياثان الجديد وصفٌ للدولة العراقية قبل 2003 – قراءة في كتاب-

اللوياثان الجديد وصفٌ للدولة العراقية قبل 2003 – قراءة في كتاب-

د. قيس ناصر

جامعة البصرة

 

 

    يتركزُ كتاب الدولة واللوياثان الجديد لـ “فالح عبد الجبار” على تحديد عوامل صعود نمط التوتاليتارية في العراق, الذي نشأت مقدماته(الحزب الواحد, الاقتصاد الريعي, تأليه الزعيم, والايديولوجية الواحدة), وقد بلغ قمة تشكله في العراق ما بين 1970-2003م. من الجدير بالذكر أن لكلِّ منهج يدرس الدولة طريقته المتميزة في التعامل مع المواد المتوفرة له, فقد نجد في مؤلف ما مواد قانونية وتأريخية واجتماعية وفلسفية, ومع كتاب الدولة واللوياثان الجديد يتبين أنه يشتغل على تطور ووظيفة الدولة العراقية, بالاعتماد على مواد فلسفية واجتماعية وتاريخية . وعلى الرغم من أنَّ المؤلف اشتغل في مضمون كتابه على مفهوم التوتاليتارية, إلا إنه لم يذكره في العنوان, وذلك لقناعته بأن مفاهيم: (الكلية, التوتاليتارية, والشمولية) غريبة على وقع أو إيقاع الجرس العربي, لذلك استعمل عنوان كتاب الدولة, إلا أنه قد استعمل مفهوم التوتاليتارية في احد عنوانات كتبه السابقة, فضلاً عن أن تسمية اللوياثان الذي هو الشق الثاني من العنوان (كتاب الدولة اللوياثان الجديد) يُعد أكثر غرابة.

    وبعيداً عن علاقة اللوياثان بالأساطير المروية, فإن هوبز ربما يعد أول من ربط اللوياثان بالدولة, ودولة اللوياثان على وفق هوبز تعني: “نوع من وحدة الجميع الفعلية في شخص واحد, قائمة بموجب اتفاقية كل فرد مع كل فرد, كما لو كان كل فرد يقول للآخر: أنني أخول هذا الرجل أو هذه المجموعة من الرجال, وأتخلى له أو لها عن حقي في أن يحكمني أو تحكمني, شرط أن تتخلى له أو لها أنت عن حقك وتُجيز أفعاله أو أفعالها بالطريقة عينها.

    إن الفكرة الرئيسة لهذا الكتاب تتمثل بأن الدولة العراقية مرت من النظام السلطاني, إلى الديمقراطي, إلى التوتاليتاري في مسلسل انهيارات متلاحقة وإن المركب التوتاليتاري-الأسري-الريعي الأخير هو البنية الأساسية للنظام السياسي قبل العام 2003م. ويمكن ذكر بعض فرضيات الكتاب, التي يمكن ايجازها بالآتي:

الفرضية الأولى: إن العراق قبل 2003 مزيج سياسي من الأسرية التسلطية -أي دكتاتورية العائلة-, ودولة ريعية, ودولة توتاليتارية تقوم على دمج الدولة –الحزب, والجماهير والاستبداد المرتكز إلى الإرهاب, إلا أن التوتاليتارية تقع في مرتكز ما تم ذكره. وفي السياق السابق يمكن القول بالاعتماد على المعاجم السياسية إن التوتاليتارية “نظام سياسي لدولة ما تتميز بالهيمنة الكلية على النشاطات الفردية من خلال تبنيها لايديولوجيا معينة” .

الفرضية الثانية: إن زيادة اسعار النفط لم تتسبب بنشوء التوتاليتارية, إنما دعمت نشؤوها. الفرضية الثالثة, متعلقة بطبيعة المجتمع العراقي, وعلاقته بالدولة, فالعراق يوصف بأنه دولة تبحث عن أمة.

الفرضية الرابعة: المجتمع الانتقالي, إذ يمر مجتمع العراق في مرحلة انتقالية.

    في الحالة العراقية على رأي عبد الجبار, تم القفز من الديمقراطية إلى التسلطية ثم إلى أغوار التوتاليتارية, وكانت الجمهوريتان الثانية والثالثة بمثابة الحاضنة لإنماء الغول التوتاليتاري, وقد انشأ حزب البعث نظاماً توتاليتارياً أسري السمات بدأ عام 1968م, يشبه الأنموذجين النازي الألماني أو الستاليني شبهاً كبيراً من حيث حكم الحزب الواحد, والاقتصاد الأوامري, والايديولوجية القومية الاشتراكية ووحدة الأمة في ظل الفوهور (القائد), ولكن خلافاً للأنموذج الاوربي الكلاسيكي, يشير لفظ الأسري المضاف الى تعريف الوجه الثاني للأنموذج العراقي, ألا وهو العشيرة أو القرابة  .

وما يمكن قوله باختصار عن منهجية المؤلف في هذا الكتاب إنه قد اشتغل على تاريخ الأجل الطويل فهو قد غطى في الكتاب موضوعاً استغرق 150 عاماً تقريباً من منتصف القرن التاسع عشر مع الدولة العثمانية حتى 2003, وتغطية هذه الفترة, لا يمكن دراستها على الرؤية والفرضية, بأفضل النتائج إلا من خلال المنهج التحليلي البنيوي, فقد اهتم المؤلف بالقراءة الأفقية للتاريخ التي تعتمد على المفاهيم, وهذه القراءة تقترب أيضاً من البنيوية من خلال تشكيل نسق للدولة العراقية وهو التوتاليتارية أو اللوياثان .

يشير المؤلف إلى أن من استراتيجية بقاء حزب البعث عند هيمنته على الدولة العراقية بعد 1968, هي عملية دمج الحزب بالدولة, ودمج جماعات القرابة(عشيرة البو ناصر الحاكمة وحلفائها) في مزيج الدولة-الحزب, واستعمال آلة دولة الحزب-العشيرة لحكم المجتمع العراقي

    وفي عام (1979-1980) بدأت ملامح النظام الجديد تأخذ شكلها النهائي كنظام توتاليتاري, يقوم على دمج الحزب-الدولة, ومركزة السلطة في حكم الفرد القائم, واعتماد واحدية آيديولوجية, ووسائل التعبئة الجماهيرية, ومع التعبئة الجماهيرية, بلغ نظام الحزب الأوحد الاسري اوجه سنة 1980, بعد سنة من تولي صدام الرئاسة لتكون الدولة العراقية قبل 2003, ممثلة بـ حزب واحد, وزعيم واحد, وايديولوجية واحدة .

    يلاحظ القارئ إن فالح عبد الجبار يُعيد في كتاب الدولة واللوياثان الجديد فهمه للتوتاليتارية في كتابه الذي نشره عن التوتاليتارية سنة 1998م, تقريباً, بشكل حرفي, إذ لم يغير في الافكار وطريقة العرض, ويرتكز في فهمه الى التوتاليتارية الى التتبع التاريخي لتطور المفهوم, بدءاً من أفكار المفكر الايطالي جيوفاني جنتيلي(1875-1944م) في أوائل العشرينيات من القرن العشرين. من ثم ينتقل إلى فهم افكار فرانز نويمان فهو أول واهم منظر للتوتاليتارية في كتاب البهيموث1942 الذي تُرجم مؤخراً إلى العربية, الذي يُعنى بدراسة النازية .