ataba_head

ما بعد جمهورية الخوف

ما بعد جمهورية الخوف

د. قيس ناصر

جامعة البصرة

     قبل 2003م, نجح كنعان مكية بنقل شكل قسوة حزب البعث في العراق, من خلال تشكيل جمهوريته التي عبر عنها مكية بـ(جمهورية الخوف), للرأي العام العالمي. يتلخص كتاب مكية في المقام الأول, حول قصص الرعب التي تحولت لتصبح هي القاعدة والخوف الذي لم يكن أمراً ثانوياً أو عرضياً, مثلما هو في أغلب الدول الطبيعية, بل أصبح الخوف جزءاً تكوينياً من مكونات الشخصية العراقية. إن عسكرة المجتمع مع البعث انهت امكانية  تخلي الفرد عنها سواء أكان انساناً عادياً أم مسؤولاً, بل أصبحت هي الاساس أي العسكرة, أما المدنية فهي الاستثناء, وقد اشار مكية الى أن حزب البعث قد لجأ إلى اشراك الجماهير في مؤسسات العنف المتعددة التي اعتمدها, وعندما يصبح الخوف والعنف, هما الشيء الطبيعي, سيصعب على المرء محافظته على درجة من الاتزان النفسي لكي يستمر في حياته اليومية .

    إن ما جرى على مدار خمسة وثلاثين عاماً من ممارسة سياسة الخوف ربما ترك أثراً لا يمحى بسهولة من تكوين الفرد والمجتمع العراقي, وقد تجددت أمور أخرى ما بعد جمهورية الخوف تحتاج المزيد من الدراسة, من مثل: إن بناء الدولة مع البعث كان قائماً على سياسة الخوف وليس وفق سياسة المواطنة وهذا ما ساهم بجزء ما في  التأسيس للفساد والارهاب وظهور العديد من قيم الخراب الأخرى بعد سقوط البعثية .

    والملاحظة الأخرى, التي ينبغي الالتفات اليها, هي, أن الناس في المجتمعات الاستبدادية غالباً ما يلتزمون بالقوانين ويطيعونها مقارنة مع من يعيش في نظم ديمقراطية, لكن لا يعني ذلك التزام, بقدر ما, إنه يعكس الخوف من العقاب القاسي الذي يتعرضون له في حال عدم التزامهم, وفي حال تغيّر الحكم تجد هناك ارتفاعاً في معدلات الجريمة وغياباً كاملاً للخوف من المؤسسات الامنية, وهذا ما حصل بعد 2003م, حينما سقط نظام حزب البعث كمسمى لكن بقيت آثاره, وهذا لا يعني تبرير ما يحصل من التهاون في الالتزام بالقوانين ما بعد 2003, إلا أنه في جزء ما يُعد نتاجاً لما قبل 2003م .

    الجميع يعلم أنه حين مراجعة مسار الدولة العراقية, نجد أن حزب البعث قد ساهم بتشكيل الخراب وانهيار جميع معالم بناء الدولة وبناء الانسان, وفي الوقت نفسه, إن مسار المقال يدعونا إلى طرح السؤال الآتي: هل بقى شيء من رأس المال الاجتماعي إن صح التعبير؟ فالعراق في عهد البعثية قد عمل على نهاية كل شيء يرتبط بما هو اجتماعي وثقافي واقتصادي, فكل شيء كان يسير وفق سياسة الخوف, إذن ما الاجراءات التي تم اعتمادها ما بعد 2003م لمعالجة الخراب الذي انتجه حزب البعث؟ هل تم العمل على اعادة بناء الفرد والمجتمع العراقي لتخليصه من الحقبة السابقة؟ هل تم اعادة بناء الثقافة والسياسة والاقتصاد بما يختلف عن حقبة البعث؟ أم أن آثار تلك الحقبة لا تزال قائمة؟ فضلاً عن العديد من الأسئلة التي تحتاج إلى دراسات تفصيلية واجابات تُقارب الواقع الراهن .