banarlogo

جرائم أول ميليشيا بعثية في العراق قراءة في كتاب فايز الخفاجي

جرائم أول ميليشيا بعثية في العراق

قراءة في كتاب فايز الخفاجي

د. قيس ناصر

باحث في قسم الدراسات السياسية – مركز دراسات البصرة والخليج العربي

 

 

 

إنَّ الكتاب في مجمله يشتغل على فهم الحرس القومي بوصفه ميليشيا بعثية أُسست في ستينيات القرن العشرين, ويحتوي على خطاب معلوماتي مهم لأي باحث مهتم بدراسة تلك الحقبة من تاريخ الدولة العراقية أو لأي قارئ لأن الكتاب لم يقف عند حدود المتلقي الأكاديمي, إنما المتلقون الآخرون بإمكانهم الإفادة منه, على الرغم من التزام المؤلف بالصرامة الأكاديمية من حيث التوثيق والحيادية والموضوعية.

أدرك مؤلف الكتاب منذ السطور الأولى أن الدراسات الأكاديمية العراقية تعيش حالة من الأزمة في تعاملها مع هكذا نوع من الكتابات, وهذا الأمر نتفق به مع المؤلف بشكل تام, بل أن الأمر لم يقف عند هذا الحد, إنما جرائم حزب البعث في العراق بشكل عام وليس جرائم الحرس القومي فحسب قد غابت عن اهتمام الدراسات الأكاديمية العراقية, وهذا ما تمت الإشارة إليه في مقال سابق .

درس المؤلف الحرس القومي لمدة 285 يوم من 8 شباط الى 18 تشرين الثاني 1963م, الذي يعتبره أخطر ميليشيا في تاريخ العراق المعاصر, وفي كتابه على الرغم من وجود عنوان فرعي ركز على دراسة جرائم الحرس القومي, إذ كان عنوان الكتاب (الحرس القومي ودوره الدموي في العراق -جرائم أول ميليشيا بعثية في تاريخ العراق المعاصر عام 1963م), إلا أن المؤلف قد اهتم بدراسة الظروف التي ادت إلى ظهور الحرس القومي, والدور الذي مارسه عناصره, والغرض الامني منه, فضلاً عن المواقف الداخلية والخارجية منه, ويحتوي على تفصيلات عديدة ترتبط بالحرس القومي من حيث النشأة والتشكيل, لكن الذي يعني الباحث المهتم بجرائم التطرف في العراق, هي تلك الجرائم التي ارتكبها حزب البعث مع تشكيل الحرس القومي وأشار إليها المؤلف في توثيقه لها, وهذا أولاً, والأمر الثاني طبيعة تلك الجرائم ومنهجية المؤلف التي اعتمدها في دراسته لها, ومدى حضور الوثائق لديه, التي قسمها على صنفين: الأولى غير منشورة حصل عليها بجهود شخصية, واخرى منشورة ضمن اصدارات وثائقية  .

إن أول الموضوعات أو الجرائم التي ذكرها الكتاب هو محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم التي شارك فيها مجموعة من حزب البعث, وحاول المؤلف دراستها وتوثيقها من خلال الدراسات السابقة ومقابلات شخصية اجراها مع بعض قيادات حزب البعث في تلك الفترة, مثل محسن الشيخ راضي وعزيز الحسيني, وينتقل إلى ذكر عمليات الاغتيال الأخرى التي سعت إلى تنفيذها مليشيا الحرس القومي مثل اغتيال الاوقاتي بوصفها ساعة الصفر لانقلاب شباط 1963, الذي تحدث المؤلف عن تفصيلاته التي منها طريقة اعدام عبد الكريم قاسم وعرض جثته على شاشة التلفاز ورفع رأسه والبصق عليه من ثم تم ربطها بأثقال ورميها في نهر ديالى, ولعل أبرز الجرائم التي عُرف بها الحرس القومي في بداية الانقلاب هي عمليات الاغتيال  .

الجرائم الأخرى التي عُرف بها الحرس القومي هي اعتقال وتعذيب النخب الثقافية بطريقه وحشية وقد اعتمد المؤلف في توثيقها كما في حديثه عن الجرائم الاخرى الدراسات المتوفرة, والمقابلات التي أجراها مع بعض المعتقلين في حينها, ولم تكتف عمليات الاعتقال عند النخب الثقافية بل شملت العديد من الطلبة وحتى الطالبات اللواتي لم تتجاوز اعمارهن خمسة عشر سنة, وفي هذا الأمر قصص وحكايات تروي ما فعله الحرس القومي بتلك الفتيات, إلا أن المؤلف لم يتطرق الى ما جرى لهن واكتفى بالإشارة الى سجنهن والتحقيق معهن من بعض البعثيين مثل صلاح العلي ومحمد سعيد الصحاف, وفضلاً عن هذه الجرائم هناك عمليات الفصل الوظيفي للعديد من المدرسين وأساتذة الجامعات منهم رئيس جامعة بغداد الدكتور عبد الجبار عبد الله, ولم يقف الأمر عند طرده بل اهانته والبصق في وجهة والقائمة طويلة في هذا المجال للأساتذة الذين تعرضوا لظلم واجرام الحرس القومي يسردها مؤلف الكتاب ببعض التفصيل, ولم تسلم الفنانات في ذلك الوقت من المطاردة والاعتقال.

إن مشهد الاعتقالات والجرائم التي ارتكبها حزب البعث من خلال مليشيا الحرس القومي يوحي لأي مراقب موضوعي في ذلك الوقت ان الدولة العراقية مع حزب البعث كانت سائرة باتجاه النظام الشمولي القمعي, وهو الأمر الذي حصل بعد تمكنهم من السلطة بشكل كامل .

واحدة من الأساليب الوحشية التي استخدمها الحرس القومي ويذكرها المؤلف هي ما نتج عن البيان رقم 13 والمجازر التي ارتكبت بسببه, ووصل عدد ضحاياه الآلاف, وهذا ما يوثقه المؤلف بشكل تفصيلي نوعا ما, ولا سيما طريقة تعذيب وقتل سلام عادل, وكانت وسائل التعذيب السائدة عند البعثية تبدأ من التعليق بالمروحة مروراً بقطع أحد أعضاء الجسم, وصولاً إلى القتل أحياناً, فضلاً عن ممارسة الاعتداءات الجنسية على بعض المعتقلات, اللواتي خرج بعضهن وهُن حوامل من السجون, كذلك استخدامهم لأنواع عدة من وسائل التعذيب النفسي والجسدي, واللافت أن منفذي تلك الجرائم يلتذون بفعلتهم وكما يصفها المؤلف بحفلات التعذيب, ويمكن ربطها بالقسوة التي عُرف بها البعثيون بشكل عام والحرس القومي بشكل خاص, ولم تقف عند الحاق الاذى الجسدي انما ارتبطت ايضاً بالأذى النفسي, وهي تمثيل للسادية, إذ أن الذين يمارسون التعذيب مصابون بالسادية بشكل مؤكد, بمعنى أن هدفهم ولذتهم في الحياة هو القتل .

ختاماً, يمكن القول أن المقابلات التي اجراها المؤلف مع بعض الفاعلين في تلك المرحلة, قد ساهمت بتشكيل رؤى مغايرة لما طُرح سابقاً في الدراسات التي وثقت المرحلة, وأسهمت في سد ثغرة الوثائق التي غابت أو غُيبت, ولا سيما التي تؤرشف للجرائم المرتكبة, وفي الوقت نفسه, هناك ضرورة للاهتمام بأرشفة المقابلات التي تُعنى بتوثيق الجرائم التي ارتكبها البعثيون بشكل منفصل, وهذا الأمر يُعمل به في مراكز توثيق الجرائم سواء من خلال توثيق افادات الناجين, والشهود أم توثيق افادات أو اعترافات مرتكبي الجرائم .