ataba_head

غياب القلم الأكاديمي في توثيق جرائم حزب البعث

غياب القلم الأكاديمي في توثيق جرائم حزب البعث

د. قيس ناصر

جامعة البصرة

إنَّ ما أُرتكب من جرائم في العراق على مدار 35 سنة من 1968-2003م, كان محط اهتمام لمؤسسات عالمية سواء أكانت أكاديمية, ومراكز بحثية, ومنظمات حقوقية, أم غيرها, إلا أن اللافت في هذا الأمر, ولاسيما بعد 2003م, ومع اعتراف الجميع في داخل العراق وخارجه بحجم الانتهاكات والجرائم التي ارتكبها حزب البعث المقبور في العراق, لا يوجد اهتمام أكاديمي عراقي بدراسة تلك الجرائم والعمل على توثيقها, ربما, العزوف الأكاديمي عن دراسة تلك الجرائم بحاجة إلى دراسة منفصلة لمعرفة أسبابه, مع التأكيد أن هذا القول لا يشمل جامعات أقليم كوردستان العراق, التي تُعنى أغلب مراكزها البحثية بتوثيق ودراسة جرائم البعث, لكنها تُركز على الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الكوردي .

من الواجب القول إن الدراسات الأكاديمية العراقية المحدودة عن جرائم حزب البعث, قد اقتصرت على دراسات ادبية, عادة, ما كانت تُعنى بالأدب العراقي الذي كُتب في المهجر لتوثيق عنف سلطة البعث وممارساته القمعية, أو دراسات تأريخية (محدودة) تُعنى بتوثيق موقف حزب البعث من القضية الكوردية, أو دراسة العلاقة بين حزب البعث والأحزاب الأخرى, وبعض تلك البحوث درس ما جرى من قمع في انتفاضة صفر 1977 أو ممارسات القمع اتجاه الشعائر الحسينية, وكل تلك الدراسات لا تتجاوز أصابع اليدين, التي يتمنى كاتب المقال أن يكون مخطئاً في عدها وفي الوقت نفسه هناك غياب أكاديمي لتوثيق ودراسة الجرائم التي ارتكبت بحق الأكاديميين العراقيين, وهي عديدة, من انتهاكات لأبسط حقوق الإنسان إلى تنفيذ حكم الإعدام, فضلاً عن الاهتمام المحدود جداً, لبعض البحوث التي تُعنى بالاغتيالات السياسية لمن يعارض نظام حزب البعث, مع تأكيد الغياب التام لتوثيق المجازر التي ارتكبت طيلة الفترة من 1968-2003م, مع عدم إنكار بعض محاولات الاهتمام بالانتفاضات الرئيسة التي حصلت في تسعينيات القرن الماضي, التي بحاجة الى توثيقها ودراستها بشكل تفصيلي- أي تلك الانتفاضات-, فضلاً عن اهتمام محدود جداً بالمقابر الجماعية  .

 أما الدراسات التي تُعنى بمجال السياسة فهناك بحوث محدودة أيضاً, سعت إلى فهم طبيعة النظام السياسي الذي ارتكز اليه حزب البعث في ممارساته القمعية, ولعل مؤسس الاهتمام بهذا المجال هو مؤلف كتاب جمهورية الخوف, الذي درسه كاتب المقال ببحث مستقل, فضلاً عن الاهتمام بمقاربة النظام السياسي الذي اعتمده حزب البعث المقبور مع النظم الاستبدادية الاخرى مثل: التوتاليتارية والدكتاتورية, أما في مجال الدراسات الاجتماعية والنفسية التي توثق جوهر الخراب العراقي الذي أسس له النظام البعثي القمعي, ربما, يمكن التعبير عنها بالقول, أنها لا تكاد تذكر, سوى من بعض الدراسات المحدودة عن التوظيف السياسي الاقصائي لمناهج التربية والتعليم, ووسائل الإعلام, وفي هذا المجال هناك دراسة بحثت العلاقة بين المثقف الأكاديمي والسلطة السياسية .

يمكن القول إن هنالك ضرورة للاهتمام الاكاديمي بدراسة جرائم حقبة البعث, كمسؤولية معرفية وأخلاقية, فالأولى تتمثل بفهم طبيعة تلك الجرائم من الناحية السياسية وآثارها النفسية والاجتماعية, فضلاً عن ما تمثله لحقبة تاريخية للدولة العراقية, التي ينبغي توثيق كل تفاصيلها, والمسؤولية الثانية الأخلاقية, تأتي كشكل من أشكال التضامن مع الضحايا والمساهمة بمنع تكرار تلك الجرائم, لأن نسيانها يسمح بتكرارها .