ataba_head

المرجعية الدينية العليا تُفشل مخطط ثلاثة حروب طائفية

المرجعية الدينية العليا تُفشل مخطط ثلاثة حروب طائفية

د. قيس ناصر

جامعة البصرة

 

 

    يُعد الثاني من تشرين الأول من كل عام يوماً عالمياً للاحتفاء باللاعنف على وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة, الذي نص على جعل هذا اليوم رسالة للاعنف. وفي العراق, إذا أردنا أن نحتفي بهذا اليوم, فينبغي استذكار جهود المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف بالتصدي لمنع انجرار العراق لثلاثة حروب طائفية مؤكدة ومخطط لها إن صح التعبير, وربما توجد مخططات اخرى لم يلتفت إليها الباحث .

الأول/ مخطط الحرب الطائفية في 2004م

من المبادئ التي كان المجرم الزرقاوي يعمل عليها, هي حث تنظيم القاعدة على قتل الشيعة, لأنه على وفق اعتقاده بأن استهداف شيعة آل البيت(عليهم السلام) وضرب رموزهم الدينية والسياسية والعسكرية سوف يجعلهم يظهرون غضبهم ضد السنة في العراق, وعلى وفق ما ورّد في إحدى رسائله من تفاصيل هي خطة جر العراق إلى حرب طائفية واختيار تفجيرات عاشوراء في 2004م, التي أسفرت عن مئات الضحايا بين شهيد وجريح, نقطة انطلاق, إذ أن في تلك الفترة دعا الزرقاوي إلى قتل الشيعة, تحت شعار( إن خطرهم على الإسلام أشد من تواجد المحتل الصليبي الكافر) , وأمام سياسة القتل والحرب الطائفية التي انتهجها الإرهابيون,نجد أن المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف, قد أدركت أهداف تلك التفجيرات, وأصدرت حينها بياناً دعت فيه الشعب العراقي دون تمييز بين دين أو قومية أو طائفة, تضمن في جزء منه (ندعوا جميع أبناء الشعب العراقي العزيز إلى مزيد الحذر والتنبّه لمكائد الإعداء والطامعين ونحثهم على العمل الجاد لرصّ الصفوف وتوحيد الكلمة في سبيل الإسراع في استعادة الوطن الجريح سيادته واستقلاله واستقرار)  .

الثاني / مخطط الحرب الطائفية في سنة 2006م

في شباط 2006حصلت جريمة إرهابية خطيرة, تمثلت باستهداف أضرحة الإمامين العسكريين عليهما السلام, وكان الهدف من وراء تلك الجريمة إيقاع الفتنة بين مكونات الشعب العراقي , وهذا ما أدركته المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف, في بيانها الذي أصدرته حينها وجاء فيه:(..على الجميع, وهم يعيشون حال الصدمة والمأساة للجريمة المروعة أن لا يبلغ بهم ذلك مبلغاً يجرّهم إلى اتخاذ ما يؤدي إلى ما يريده الأعداء من فتنة طائفية…) .

الثالث/ مخطط الحرب الطائفية في 2014م

إنَّ جميع المجازر والجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي في 2014م, ليست ببعيدة عن ذاكرة القارئ من قتل المدنيين والخطف والاغتصاب والرق والاتجار بالنساء والأطفال والتجنيد القسري للأطفال وتدمير الأماكن المقدسة , والنهب والسلب, واستهداف لكل من يخالفهم بالعقيدة فضلاً عن انتهاكات حقوق الإنسان, التي تبيّن أنها سياسة متعمدة تهدف إلى تدمير كل شيء, ومن أجل صناعة السلام والدفاع عن النفس دعت المرجعية الدينية العليا إلى الدفاع الذي هو دفاع مقدس عن حرمات العراق ووحدته وحفظ الأمن للمواطنين وصيانة المقدسات من الهتك ودفع الشر عن هذا البلد المظلوم وشعبه الجريح كما ورّد في البيان. وفي خطبة الجمعة التي تلت فتوى الدفاع الكفائي , دعت العراقيين جميعاً من دون تمييز بين دين أو طائفة أو قومية إلى المزيد من التكاتف والتلاحم فيما بينهم، والتعاون في التخفيف من معاناة النازحين والمهجّرين وإيصال المساعدات الضرورية إليهم .

وعلى وفق المخططات الثلاثة للحرب الطائفية, كما صرح الإرهابيون بذلك, التي كان مقررا لها إدخال البلد في دوامة الاقتتال الطائفي لعقود عديدة, ولعل أخطرها ما حصل في 2014م, إلا أن حكمة المرجعية الدينية العليا التي استندت إلى سياسة اللاعنف حتى في حال الدفاع فهو من اجل صناعة السلام, وإلا كيف يُعقل مواجهة المعتدي الإرهابي من دون الدفاع عن النفس, ومن الجدير بالذكر أن أحدى سمات اللاعنف هي عدم الرضوخ والمسالمة, فالمسالمة مع الإرهابيين تعني القبول بالذلة والإهانة وانتظار القتل .