ataba_head

دور مؤسسات الدولة لمواجهة التطرف… المؤسسات التعليمية إنموذجاً

دور مؤسسات الدولة لمواجهة التطرف: المؤسسات التعليمية انموذجاً

د. إحسان محمد هادي

 

 

لقد شكلت الجماعات الإرهابية مثل داعش وتنظيم القاعدة وجماعة التوحيد والجهاد وجماعة أهل السنة للدعوة والجهاد وغيرها من الجماعات التي تتخذ إطار صورة التطرف العنيف وإلغاء الآخر, من هنا يبرز دور الدولة في معالجة هذا التهديد والحد من هذا التعصب الديني , إذ أن خطر التطرف والإرهاب المصاحب له لم يقتصر على دولة معينة بحد ذاتها وإنما بات ظاهرة عالمية عابرة للحدود فلا تستثني بلد معين في عملها وعملياتها الإرهابية, بلا شك أن التعقيد والتشابك الذي يتسم به ظاهرة التطرف والإرهاب قد انعكس بشكل أو بآخر على طبيعة الاستراتيجية  التي تتبناها الدول لمواجهتها.

وبالفعل هنالك العديد من التجارب التي مارستها الدول في هذا الشأن فبعض الدول تولي اهتمام بالجانب الأمني والعسكري بينما دول أخرى تركز على الجانب التشريعي  والقانوني بينما دول أخرى تركز على الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية في استراتيجية أعدتها  للأمن القومي ومكافحة ظاهرة التطرف والإرهاب وتشترك في تطبيقها جميع المؤسسات داخل الدولة الرسمية وغير الرسمية لأجل تطبيق استراتيجية الأمن القومي للدولة وتكون هذه الاستراتيجية بتغير مستمر لمواجهة التهديدات الجديدة التي تواجه الدولة.

ولأجل تطبيق وانجاح استراتيجية الأمن القومي للدولة تتظافر كل الجهود لتكون مسؤولية مجتمعية لجميع المؤسسات الرسمية وغير الرسمية وخاصة إذا كان هناك تهديد لكل المجتمع كالتطرف والإرهاب, ومن هنا تعي الدول الارتقاء بمستوى الوعي لدى أفراد المجتمع والتركيز على الهوية الوطنية الجامعة التي يشترك بها جميع أفراد المجتمع لتكون مسؤولية اجتماعية أخلاقية.

ومن هنا تأتي مؤسسات التعليم في المرتبة الأولى ضمن الاستراتيجية الشاملة للأمن القومي التي تتبناها الدول التي تعي خطر ظاهرة التطرف والإرهاب, فتعمل المؤسسة التعليمية على تحصين الطلاب منذ الصغر ضد الأفكار المنحرفة ومنها التطرف, إذ تقوم مؤسسة التعليم بالتعاون مع المؤسسات الأخرى بدءاً من الأسرة والإعلام والمجتمع المدني والقطاع الخاص في مواجهة هذه الظاهرة الجديدة والدخيلة على المجتمعات بشكل يعزز  وانجاح جهود الحكومة بهذا الشأن.

من هنا تقوم وزارة التربية بالاستعانة بذو اختصاص في مجال وسائل التربية الحديثة  وعلم النفس بوضع منهاج دراسي يدعو إلى التماسك المجتمعي ونبذ العنف بالدرجة الأولى ثم إلى العلم, فالمدرسة (إدارة, معلمون, مشرفون) عليها دور أساسي في تبني حوار معتدل قائم على الثوابت الوطنية ويحافظ على وحدة المجتمع بكل أطيافه وينمي مسؤولياته الدينية والوطنية التي تدعو إلى الوحدة ونبذ العنف وبناء جيل جديد ذي أخلاق عالية. وهذا الأمر تؤكده منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة ( اليونسكو) وذلك في عام 2018 بإصدارها دليلاً استرشادياً يؤكد كيفية إسهام التعليم في إيجاد البيئة المناهضة للتطرف من خلال غرس الوعي الكافي وبنائه لدى المتعلمين مما يمكنه من مواجهة وتصدي للأفكار والمعتقدات المتطرفة ومحاربة الغلو والتشدد.

الأسرة هي المدرسة الأولى في التنشئة للأجيال وعليها إعداد أبنائها بشكل سليم وتعزز لديهم الثقة في النفس وتنمي لديهم الأحساس العميق بالمسؤولية  تجاه المجتمع والمشاركة في الدفاع عنه وتنميته ومواجهة كل أنواع التحديات والمخاطر التي تهدد أمنه واستقرار وتكملة لهذا الدور بالتعاون مع الأسرة تقوم مؤسسات التعليمية بدورها في بناء شخصية الطالب وتشكيل مداركه العامة بالتحصين من أية أفكار متطرفة.

وهنا يبرز دور المجتمع المدني في تدريب المعلمين وتبني خطاب إعلامي من قبله يوضح التزامات المعلم اتجاه مهنته لأنها مسؤولية اجتماعية  وأخلاقية ووطنية وهو المحور الرئيس الذي يعتمد عليه في إعداد جيل وطني واعي يحقق الأهداف التربية المرجوة لمصلحة المجتمع والدولة, ويقوم المجتمع المدني بتقديم الدعم اللوجستي لمؤسسات التربية من وضع نشرات ولوحات داخل المدرسة وعلى جدرانها الداخلية والخارجية تدعو الى الوطنية ونبذ العنف والتطرف. وأيضاً للإعلام دور مهم فهو يقوم بدور تنويري ومعرفي يسهم توعية أفراد المجتمع وتوحيده موضحاً خطورة التطرف والإرهاب وضرورة الاصطفاف الوطني والتصدي للأفكار التي تدعو إلى تفرقة المجتمع من تطرف وإرهاب.

لذلك يعد التعليم أحد المداخل المهمة التي يمكن استثمارها بكفاءة في مواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب الفكري الذي اجتاح العديد من المجتمعات أصبح خطر يهدد أمن الدول واستقرارها, لذلك على الدول إعادة النظر في المناهج الدراسية ومساقات التعليم المختلفة والاهتمام بالمعلمين فهذه الأمور تشكل مدارك التنشئة المجتمعية, فالتعليم الجيد المبني على أسس علمية وطنية من شأنه أن يجفف أي بيئة خصبة تستغلها الجماعات التطرف والإرهاب لنشر أفكارها وكذلك يسهم في توثيق قيم إيجابية تحث على التعايش السلمي والوسطية والاعتدال وقبول الآخر ونبذ التعصب والتطرف بكل صوره.