ataba_head

منهجية بعثة الأمم المتحدة التحقيقية بحادثة سبايكر عبر التواصل مع الناجين / 9

 

منهجية بعثة الأمم المتحدة التحقيقية بحادثة سبايكر عبر التواصل مع الناجين / 9

الأستاذ المساعد الدكتور

رائد عبيس

جامعة الكوفة – كلية الآداب

 

التحقيق في الحادثة, يختلف عن التحقيق في تفاصيلها, وسميت “حادثة سبايكر ” في البدء؛ لأنها لم تكسب توصيف حقيقي لنوع تلك الحادثة قبل تأكيد وقوعها الفعلي, ومن ثم التحقيق في تفاصيلها, لمحاولة الوصول إلى توصيف حقيقي مناسب لها فيما بعد. فبين تعدد الروايات, والأقاويل, وتناقل الصور عبر الاقمار الصناعية, والمواقع الألكترونية, والفضائيات, وبين شهادة من شهد الواقعة وحوادثها من السكان المحليين, أومن الناجين, أومن السامعين, فرق كبير. قد أكدت كثير من تفاصيلها فيما بعد, وكان جهد الفريق في أول الحادثة, هو التأكد من المزاعم التي صدرت من المواقف الاجتماعية, والسياسية, والاعلامية. بين أثبات الادعاء والإدانة , مسافة كبيرة من التحقيق , والموضوعية, والبحث, وآلياته, وإمكانياته, والاستعدادات له.

وهذا ما تمثل بمسعى الفريق الأممي للتحقيق بالحادثة, عبر الاستعانة بوسائط مختلفة , كان منها ؛ إجراء مجموعة اتصالات, ومقابلات هاتفية, مع شهود العيان من الناجين, والسكان المحليين, في موقع الحادثة. ولكن لا نعلم عن طبيعة تلك المقابلات الهاتفية, و لم يذكر المدة الزمنية لكل مكالمة ؟ هل من خلال الهواتف النقالة الذكية بالصوت والصورة, أو من مكالمة عادية عبر الصوت فقط ؟ أو هل من خلال التواصل الرقمي , أو الشبكي عبر الهواتف, أو أتصال لاسلكي عادي ؟ ولم يبين الفريق ذلك في منهجيته, بل أكتفى بذكر عبارة “مقابلات هاتفية” , تلقى من خلالها تعاون من قبل الناجين, والشهود, بالإدلاء بمعلوماتهم عن الحادثة , بما يؤكد وقوعها ومصداقية أحداثها الرئيسة والمهمة.

عرف الفريق بمعسكر سبايكر الذي كان المستهدف وجنوده, عند الجماعات المتطرفة الذين استدرجوهم إلى خارج المعسكر بخديعة, وخيانة بعض الضباط المتواجدين في المعسكر, والمسؤولين عن تجنيدهم وتدريبهم.

استند تقرير بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) إلى 12 مقابلة هاتفية أجراها مكتب حقوق الإنسان (UNAMI-HRO) مع الناجين من حادثة كامب سبايكر في الفترة من 8 إلى 19 كانون الثاني (يناير) 2015, وهي مدة متأخرة جداً عن تاريخ الحادثة, وتعد تباطؤا كبيرا في التحري عن كل ما يتعلق بالحادثة, وقد بدأت منهجيتها بالتواصل عبر الهاتف مع الناجين وشهود العيان!

عرف الفريق معسكر سبايكر : هو قاعدة عسكرية أمريكية سابقة يُطلق عليها رسميًا قاعدة الشهيد ماجد التميمي. تقع شمال تكريت غربي نهر دجلة. في 12 يونيو 2014 ، استضيفت الجنود والمتدربين في القوات الجوية فيه حتى في صبيحة 12 يونيو، ووفقًا لأحد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم من العمال المدنيين في المعسكر وشاهد عيان ، ذكر أن عددا من كانوا موجودين في المخيم ذلك الصباح يتراوح من 2000 إلى 6000 شخص, على الرغم من حجم المعسكر فإنه ليس من اللافت للنظر أن الجنود العاديين لن يعرف الرقم الدقيق.

وروى بعض الجنود كيف نُقلوا إلى المعسكر من قاعدة عمليات صلاح الدين والتي ورد أنها اعتُبرت أقل أمانًا في 10 يونيو ، 11 يونيو ، قال بعضهم : إن جنودًا جددًا ما زالوا يصلون في صباح يوم 12 يونيو.

وفي يوم الخميس الموافق 12 حزيران / يونيو 2014 ، غادر عدد كبير من الجنود العراقيين المخيم بملابس مدنية, وتم الاستيلاء عليهم من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) والجماعات المسلحة التابعة له قريبًا بعد ذلك. سرعان ما ظهرت معلومات تفيد بأن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش), والجماعات المسلحة التابعة له, احتجزوا أعداد كبيرة , من جنود معسكر سبايكر, وكانوا في طريقهم لقتلهم. نشر تنظيم داعش لاحقاً, صور, ومقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي, لرجال يرتدون ملابس مدنية يتم عرضهم وهم محملين في السيارات, وقتلوا بعد ذلك في مواقع مختلفة, ذكر الفريق حينها  أن  العدد الدقيق لمن تم أسرهم وقتلهم ما زال قائماً وغير مؤكد ، وكذلك مصير, وأماكن وجود العديد منهم, تدعي داعش أنها قتلت (1700) من الجنود الأسرى ، وهو رقم يتوافق مع تقارير الناجين والمعلومات المقدمة من مصادر حكومية, حينها [بحسب المعطيات الأولية للجهات ذات الاهتمام بالتحري عن ضحايا مجزرة سبايكر].

وروى الجنود : أنه خلال صباح يوم 12 يونيو / حزيران 2014 ، كان القادة العسكريون في المعسكر أمروا الجنود بالمغادرة, وقيل لهم على وجه التحديد أن يرتدوا ملابس مدنية ويتركوا أسلحتهم. أفاد بعض من تمت مقابلتهم : أن أحد الضباط قال لهم ألا يخافوا؛ لأن الطريق بها تم تأمينه من قبل قوات الأمن العراقية (ISF) والعديد من القبائل المحلية.

ذكر ذلك شخص آخر تمت مقابلته : أخبره أحد الضباط أنه تم التوصل إلى ترتيب للسماح لهم بالمرور الآمن بمساعدة القبائل المحلية. وذكر بعض الجنود : أنهم تلقوا تعليمات من ضباطهم بأخذ إجازة أسبوعين والمغادرة وثم التوجه إلى قاعدة قوات الأمن العراقية في معسكر التاجي شمال بغداد. أفاد أحد الذين تمت مقابلتهم : أنه رأى بعض الضباط يغادرون المخيم صباح 12 يونيو في سيارات مدنية. وذكر آخر : أنه في منطقة المخيم الذي كان يتواجد فيه ، بدأ الأمر كما لو ترك جميع العسكريين المعسكر على عجل.

 أضاف اثنان ممن أجريت معهم مقابلات : أن أعضاء من الفرقة الذهبية 88 المتمركزة عند بوابة المعسكر حاولت منع بعض الجنود من المغادرة ، لكن لم يتمكنوا من القيام بذلك؛ بسبب عدد الجنود الكبير الذين كانوا يحاولون المغادرة. قدم من تمت مقابلتهم روايات مختلفة عن كيفية مغادرتهم المخيم. قال بعضهم : إنهم غادروا على انفراد بسيارات خاصة. وقال آخرون : إنهم اقتادوا من قبل رجال القبائل المحليين إلى الطرق الرئيسية المؤدية إلى بغداد, وسامراء, عند هذه النقطة قال كثيرون : إنهم بدأوا في المشي, ولكن تم إيقافهم عند نقاط التفتيش التي يديرها داعش.

ذكر من تمت مقابلتهم : أن أعضاء داعش كانوا من جنسيات مختلفة ، بما في ذلك الأفغانية, والمصرية, والعراقية, والسعودية, والسورية, والقطرية.

ذكر ذلك شخص آخر تمت مقابلته : رأى حوالي 200 مقاتل مسلح من داعش في منطقة الأقواس ، لكنه لم يكن على علم بعدد المقاتلين في مواقع أخرى. و روى أحد الذين تمت مقابلتهم : كيف تظاهر بأنه سني وتم إطلاق سراحه من نقطة تفتيش.

وآخرون أفادوا : أن بعض زملائهم الجنود تم القبض عليهم وقتلوا عند نقاط التفتيش ، بواسطة إطلاق النار عليه أو طعنه بالسكاكين. وروى آخرون ممن تم القبض عليهم : كيف لم يُقتلوهم على الفور, تم تحميلها في شاحنات ونقلهم إلى مواقع مختلفة ، بما في ذلك القصور الرئاسية (القصر) 89 في تكريت ، وجامعة تكريت ، وبحسب أحد الذين تمت مقابلتهم ، “مناطق قبلية” غير محددة.

في القصر ، روى شهود : كيف فصل عناصر داعش الشيعة عن الأسرى السنة ، والعسكريين من العمال المدنيين. وكان الأسرى السنة من العسكريين والمدنيين في ذلك الحين صدر بهم أمر الإفراج عنهم. كم ادعى بعض الأسرى من الجنود الشيعة  أنهم من السنة على أمل إطلاق سراحهم وتقديمهم صلاة كدليل. زعم أحد الذين تمت مقابلتهم : أن 65 من هؤلاء الرجال قتلوا عندما فشلوا في إقناع أعضاء داعش بأنهم في الحقيقة من السنة.

وزعم اثنان ممن أجريت معهم المقابلات : أنهما احتجزا مع أسرى آخرين في القصر. ورد بالقول أن جوا من الفوضى ساد القصر: بعض الأسرى كانوا قد قتلوا بقطع الرأس أو القتل بوسائل أخرى ؛ وتعرض آخرون للضرب المبرح. أدعى أحد الذين تمت مقابلتهم : ” أنا رأيت كومة من الجثث مقطوعة الرأس في الحمام ووفقًا لاثنين ممن تمت مقابلتهم : أخذ أعضاء داعش عددًا كبيرًا من الأسرى إلى وادٍ بالقرب من نهر دجلة وتم قتلهم بالرصاص. وألقيت الجثث في مقابر كبيرة حفرت بالجرافات أو القيت في النهر.

نجا الأشخاص الذين تمت مقابلتهم من خلال التظاهر بأنهم ماتوا في كومة الجثث. قتل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (ISIL) مئات الأسرى بهذه الطريقة ، بما في ذلك في مكان يُدعى “الأقواس” .

وزعم آخر: أنه على الرغم من إطلاق النار عليه وإلقائه في النهر ، فقد نجا ، وبقي يتظاهر بالموت بجرف النهر , لعدة أيام حتى ساعده القرويون.

هرب أربعة ممن تمت مقابلتهم بعد توقيفهم عند نقاط تفتيش داعش. أطلق داعش النار على أولئك الذين فروا و وقتل بعض هؤلاء الجنود.

أفاد أحد أولئك الذين تمكنوا من الفرار : أنهم دخلوا على القرى المجاورة الا أن الناس لم ترغب في مساعدتهم خوفا من داعش ؛ ذكر آخر : أن في اليوم التالي ، الجمعة 13 يونيو / حزيران ، أبلغوا السكان المحليون وعبر مكبرات المساجد بعدم مساعدة عناصر “جيش المالكي”. ادعى شخص آخر تمت مقابلته  : أن بعض السكان المحليين أطلق الناس النار على الجنود من فوق أسطح منازلهم. بينما ذكر أشخاص آخرون ممن هربوا من القصر: إنهم تلقوا دعمًا ومساعدة من بعض السكان المحليين من أفراد قبيلة الجبور, أعطوهم ثياباً نظيفة, ومالاً, وأعطوهم بطاقة هوية مزورة, تحمل اسم سني تمكن من الفرار خلالها.

 

 

ملاحظات نقدية على هذا التقرير:

  • التقرير لم يذكر اسم أي من الجنود الناجين.
  • التقرير يتحدث أحياناً بشكل فردي, وأخرى بشكل جماعي في ذكر الشهادات.
  • يبدو من خلال ذكر عبارات مثل: ” ذكر بعضهم” أو “قال كثير منهم ” مع تفاصيل ما ذكر من شهادات, أن عددا ما تمت معهم المقابلات أكثر مما ذكر في التقرير.
  • لم يذكر التقرير كيف تم التواصل مع الناجين!
  • لم يذكر التقرير نوع المكالمة الهاتفية التي جرت أو وقتها الزمني.
  • التأخير الكبير في هذا الإجراء, يحسب تباطؤ اتجاه حجم الحادثة الذي بقي التقرير يستعمل عبارة “حادثة سبايكر” من دون ذكر أي توصيف تأكيدي بها.