التطرف الساذج والطعن في الثوابت.. عاشوراء إنموذجاً
أ.د. حسين الزيادي
تكمن خطورة التطرف في سذاجته فهو فكر مبني على رفض الآخر وكل ما يصدر عنه جملة وتفصيلاً، لذا بات الطعن في اوضح الواضحات سمة يروج لها هذا الفكر المنحرف، ويتبعه بعض السذج ممن انخدعوا بشعاراته البراقة، ومن امثلة تلك الحوادث التي نالها التشكيك والطعن واقعة الطف فهناك من يشكك في عدد اصحاب الحسين فيدعي انهم الالاف، وهناك من ينفي وجود السيدة زينب اصلاً، وهناك من يطعن في رواية ابي مخنف على الرغم من أنه لا يتهمه بالكذب بل لأنه شيعي، وقد نالت حملات الطعن أغلب فصول الواقعة وأحداثها السابقة واللاحقة.
تتسارع إيقاعات عالم اليوم ومتغيراته، ولمواكبة تلك الايقاعات ينبغي علينا أن نكون حذرين نمتلك القدرة على تشخيص الأسباب وايجاد المعالجات؛ لأن التطرف ما عاد يستخدم أسلحته التقليدية، بل ظهرت لديه ؟أسلحة فكرية يحاول من خلالها تهديم الفكر المقابل والنيل من ثوابته ومقدساته، حتى بات التشكيك والتقويض ومسخ الهوية من أحدث أسلحة التطرف التي وجدت لها مساحة في عالم اليوم، وربما اكتسح هذا السيل مساحة لا يستهان بها من عقول بعضهم ،لاسيما شريحة الشباب، فحاول التشكيك في أحداث التاريخ الراسخة والمتواترة، زاعماً أن ذلك مدعاة للتطوير والتجديد والوسطية والمرونة، ومن باب الحرية الفكرية، والتعبير عن الرأي، والمتتبع للفكر المتطرف يلحظ أن الاخير إذا انقطعت به السبل وأعيته الحيل يعمد إلى ضرب الوقائع والحوادث في الصميم، ويشكك بقوة في وجودها وحدوثها حتى أن كانت تلك الوقائع منقولة بالتواتر.
ترتبط المجتمعات والأمم في أي زمان ومكان بثوابتها وتراثها وثقافتها ارتباطاً وثيقاً، وتتخذ من شخصياتها الدينية منهجاً وطريقاً وقدوة لحاضرها ومستقبلها، وتتميز الأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم بمتانة ثوابتها ورسوخ منهجها؛ لكونه منهجاً مستمداً من الوحيين؛ القرآن الكريم وسنة النبي وآل بيته الأطهار..
المشكلة الأكبر أن هؤلاء الذين يتطاولون على الثوابت الشرعية- سواء بقصد أو بغير قصد – لا توجد لديهم المؤهلات العلمية المطلوبة التي يستطيعون من خلالها معرفة مدلولات التاريخ وأحداثه، لقد فات هؤلاء المشككين أن التعامل مع الرواية التاريخية يختلف في معاييره عن الرواية الفقهية لأن الأخيرة تبحث عن السند ووثاقة رجاله، بينما للرواية التاريخية ضوابطها وقواعدها الخاصة فلا يحقق في سندها بل يكفي وجود الاطمئنان وتوفر القرائن، لذا ليس من حق أي شخص أن يتهم الرواية التاريخية بالكذب حتى وإن كانت مرسلة، والأدهى من ذلك أن الانتقائية حاضرة لدى بعضهم في تقبّل الروايات فيقبل بعضها ويرفض الآخر اعتماداً على ميوله وهواه على الرغم من وحدة مصدر الروايتين.
أننا على ثقة أن هذه الأقوال وغيرها كثير وراءها آياد خبيثة مشبوهة لها أهدافها الخاصة ومكن ورائها اجندات على مستوى عال من الدقة والتنظيم، علينا أن نثبت روايات النهضة الحسينية، لأننا نعتقد أن عاشوراء ليس حدثا تاريخيا عابرا وإنما هو دين ومبدأ، ولاشك أن التشكيك في حوادثها ومنها التشكيك في روايات عطش الإمام وأهل بيته وروايات معاملة يزيد لأسرة الحسين وغيرها من الحوادث لا يهدف إلى زرع بذور الشك اتجاه الحادثة ، بل هناك أمر أبعد وغاية أعمق فالأمر يتعلق بتهديم مدرسة إسلامية متكاملة تمثل الوجه المشرق للإسلام، وتمثل دعامة رئيسة للاعتدال والوسطية وهو أمر لا يروق لبعضهم لذلك راح يروج لفكر التشكيك والتزييف والطعن، لأن المقابل يدرك أن كربلاء ما عادت حدثاً طارئاً يظهر تارة ويختفي أخرى بل هي حادثة خالدة بخلود الزمن.
والذي يلحظ أن حملات التزييف والتشكيك والطعن في أحداث معركة الطف تشتد مع قوة الانتصار الحسيني المتمثل بالجموع المليونية التي أثارت المغرضين، فلم يجدوا سوى الطعن والتشكيك سلاحاً لهم يهدف لزعزعة الإيمان بالمنطلقات الثورية لنهضة الإمام الحسين عليه السلام، وهذا الطرح لا يجب السكوت عنه بل ينبغي أن يرد عليه بقوة لإسكاته، وإيقاف مخططه الخبيث، لأن تجاهله وعدم الرد عليه يخلق مفسدة كبيرة.