ataba_head

زيارة الأربعين والتعتيم الإعلامي

زيارة الأربعين والتعتيم الإعلامي

الدكتور حسين الزيادي

جامعة ذي قار

 

 

 

في عالم اليوم ذابت المصداقيةُ فيه وحل التضليل واختلط الواقع بالخيال، وهُمشت الحقيقة عبر وسائل الإعلام، وإلا بماذا نفسر التعتيم المتعمد لأضخم حدث ديني تعيشه شعوب الأمة الإسلامية، وأكبر تجمع بشري عقائدي في العالم، في الوقت الذي تسلط الأضواء على مظاهرة صغيرة في لندن أو مسيرة لبضع المئات في هونغ كونغ أو تجمّع محدود في روسيا، ويتم غض الطرف عن أعظم تجمهر بشري سلمي في العالم، اتصف بميزات مهمة أبهرت جميع المراقبين، خصوصاً وإنها تجري دون أي تدخل حكومي أو رسمي سوى الدعم الأمني والصحي، الجواب أن مسيرة الأربعين في ذاتها إعلاما حسينياً متميزاً في نشر مبادئ ثورة كربلاء، هذه المبادئ التي تقض مضاجع الظلمة والطغاة، لذلك لا عجب إن غابت خصائص الإعلام المحايد في نقل أحداث هذا التجمع المليوني لأن زيارة الإمام الحسين عليه السلام في العشرين من صفر أكبر مشروع إصلاحي لواقع الأمة بهدف بنائها على المستوى التوعوي والفكري والعملي، وتقويم وتحسين مسارها السياسي والفكري، فضلاً عما تقدم فإن زيارة الأربعين تجمّع إنساني وعالمي يتجاوز الطابع الديني، ويشكّل حدثاً اجتماعياً غير مسبوق في العالم لما تجمعه الزيارة من دلالات ومضامين على المستوى التربوي والعقائدي والسياسي والإعلامي والثقافي، ومفاهيم بناء النفس الإنسانية، وديناميكيات الثورة الإصلاحية، وعناصر الهوية العاشورائية التي باتت هوية الثائرين ضد الظلم والتعسف والتطرف الفكري والعقائدي.

 

وتأسيساً على ما تقدم يتضح أن هناك قوى سياسية ودينية في الغرب تمتلك زمام التأثير في توجيه الرأي العام العالمي من خلال هيمنتها على إدارة ماكنة الإعلام العالمي ، وهذه القوى تقف وراء هذا التجاهل في تغطية مناسبة ذكرى أربعينية الحسين بن علي (عليهما السلام) لأن هذا التجمع يظهر قوة المسلمين ، كما أنه يطلق إشارات رفض الظلم والاستكانة إلى الحاكم الجائر، لكن بين كل هذا التعتيم رفضت بعض القوى الإعلامية الغربية المحايدة تجاهل هذا التجمع وعدته خطيئة، إذ وصف تقرير لـ (راديو اوستن) الأوروبي، الزيارة المليونية في ذكرى أربعينية شهادة الإمام الحسين (عليه السلام)، بأنها “اضخم المسيرات الدينية والسياسية في العالم، وأن وسائل الإعلام الغربية، ارتكبت خطيئة إعلامية بتجاهل هذا الحدث العالمي بمشاركة أكثر من 20 مليون شخص قدموا من أكثر من 80 دولة في العالم، وذكر الراديو أن هذه الخطيئة التي ترتكبها وسائل الإعلام الغربية لم تأت من فراغ بل ثمة عوامل وراء التجاهل ، وتسعى بعض الدول العربية إلى التعتيم على المناسبة من جه ودفع وسائل الإعلام العالمية إلى تجاهلها.

إن زيارة الأربعين بما لها من خلفية دينية عاطفية فكرية تملك من المحركية والباعثية على التغيير واستنهاض الهمم قدرا يفوق كل الإمكانات المؤسساتية العالمية في هذا المجال فعلى مدى آلاف الكيلو مترات ومن جميع الاتجاهات المؤدية إلى كربلاء ولعدة أيام تجد الشيبة والشباب، الرجال والنساء في حركة متواصلة يبذلون جهودا جبارة وأموالا طائلة عن قناعة وإخلاص دون أدنى تذمر أو إحباط ودون أي أجر مادي دنيوي في قبال ما يبذلونه.