ataba_head

قصّة وثيقة (1) تفريق الأزواج

قصّة وثيقة (1)

تفريق الأزواج

عبد الهادي معتوق الحاتم

 

هذا المقال والمقالات اللاحقة تشملُ مجموعةً جديدةً من الحقائق الكثيرة المدعومة بالوثائق والتي تبيّن طبيعة الجرائم التي ارتكبها طاغية العراق المقبور وحزبه الذي ولّى إلى مزبلة التأريخ .. ولقد آثرنا أن نقدّم شرحاً وافياً لبعض الوثائق التي تدينُ هذا النّظام ، في حين اكتفينا بإشاراتٍ توضيحيةٍ عابرةٍ لوثائق أخرى واضحة في الأفكار والنّوايا التي حملتها , وتبيّن الخلفية الإرهابية للنظام والتي تستشف بسهولة من الوثائق المتعلقة ، ويحدونا لهذا الموقف سببان :

الأول : أنَّ الوثائق بما تحويه من أرقام كافية لتسليط الأضواء الكاشفة على الهوية اللاإنسانية لمجرمي حزب البعث وفي مقدمتهم صدام  التكريتي .

الثاني: أننا سنحاول الاستمرار  بنشر هذه الوثائق التي تفضح الدور الإجرامي الذي أدّاه حزب البعث المقبور، والذي لا زال يؤديه في عراق ما بعد صدام من خلال أذرعه الإرهابية التي قامت بالمئات من العمليات الإرهابية ضد أبناء العراق ..

الوثيقة أدناه تتكون من صفحة واحدة … هي قرار صادر من رأس النظام ، أي من ” صدام حسين ” بتأريخ 31/12/1985 , وهي مكتوبة بخط اليد على صفحة خالية وعليها اسم صدام حسين رئيس مجلس قيادة الثورة  أسفل الصفحة وتحمل الرقم التسلسلي للقرارات الصادرة من مجلس قيادة الثورة وهو 1529 .

 لا تحتوي الوثيقة على إشارات وأوصاف غامضة وليست موجهة إلى جهة أمنية أو حزبية معينة ، إنما موجهة إلى عموم الناس عبر قنوات الإعلام , و يلاحظ أن القرار هذا وصل إلى الفرق الحزبية والأجهزة الأمنية قبل نشره في الصحف الرسمية عبر قنوات الاتصال الخاصة بالأجهزة الحزبية ذاتها ،والتي أعادت نسخه أو كتابته وتوزيعه على الفرق الحزبية كافة ، وكان هذا الأسلوب معتمداً لدى المؤسسات الحزبية والأمنية العراقية في ذلك الوقت .

هذه الوثيقة وموضوعها (تفريق الأزواج) ، هي قرار صادر من رئيس مجلس قيادة الثورة “صدام حسين”، تتضمن قرارات سياسية حول مسالة اجتماعية معينة وهي تفريق الأزواج بسبب الهروب أو التخلف من الخدمة الإلزامية . ففي 31/12/1985 اجتمع مجلس قيادة الثورة برئاسة صدام حسين واتخذ ثلاثة قرارات تسمح للزوجة بتطليق زوجها إذا هرب أو تخلف من الخدمة العسكرية لمدة تزيد عن ستة أشهر ، أو هرب إلى جانب أية جهة تعتبرها السلطة عدواً لها ,وتقوم المحكمة وفقاً لهذا القرار بالتفريق مع الاحتفاظ للزوجة بكامل حقوقها الزوجية , ويشير هذا القرار بأنَّ الطلاق يكون رجعياً , إذا عاد الهارب والتحق بالخدمة العسكرية خلال الفترة المحددة له , أما إذا كرر الزوج الهروب من الخدمة فيعتبر التفريق بائناً بينونة صغرى , تشير الفقرة الرابعة من القرار إلى صلاحية تنفيذه اعتباراً من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية .

تدخل هذه الوثيقة ضمن القرارات التي كانت يتخذها مجلس قيادة الثورة وبإشراف مباشر من صدام حسين , وكانت القرارات تلك ترتكز على إجراءات إجتماعية ،ثقافية ، اقتصادية بغية التعبئة الداخلية في تلك الفترة إذ سادت فيها موجة الهروب من الخدمة العسكرية أو عدم الإلتحاق أساساً ، أي التخلف وفق القاموس السياسي البعثي .

ترجع الوثيقة إلى فترة حرجة في أثناء حكم صدام وهي أواسط الثمانينات من القرن الماضي ، أي ذروة الحرب العراقية الإيرانية إذ بدأت تنعكس على جميع مناحي الحياة , انتشرت موجة الهروب من الجيش وطاحونة الحرب إلى قرى كردستان والأهوار في الجنوب ، والتجأ النظام إلى وسائل كثيرة لإغلاق المنافذة التي يهرب منها الجنود أو الوصول إليها , في البداية زجَّ النظام أقارب الهاربين في السجون بغية إرغام ذويهم للعودة أو الإلتحاق , وجاء قرار تطليق الأزواج أو الهاربين ودسترته ، أي جعله دستورياً ليس لمواجهة الرفض الداخلي للحرب والهروب منها فقط , وإنما وضع الأُسرة ومستقبل علاقاتها الداخلية في خدمة الحرب ذاتها . وكانت الخطوة هذه امتداداً لملاحقة الهاربين في القرى أو وضع عائلاتهم في السجون وقد تطورت الأساليب في السنوات الأخيرة من الحرب المذكورة إلى الإعدام والقتل وتشكّلت فرق الموت لذلك .

تكمنُ أهمية هذه الوثيقة في غلبة القرارات السياسية العليا التي كانت تتخذها قيادة مجلس الثروة وتجعلها مصدراً للأحكام الدستورية , وهي في الوقت ذاته تعد الوثيقة هذه شهادة دامغة على القوانين الإجرائية المستلهمة من العنف المبتذل الذي مورس على المجتمع بأشد أشكاله.