مخاطر الإرهاب والتطرف على الأمن الفكري
م. م محمد الخزاعي
العتبة العلوية المقدسة
لا شكَّ أنَّ الانحراف الفكري يؤثر بشكلٍ أو بآخرَ على الأمنِ بكافة أشكاله , إذ أنَّ أبرز مخاطره هو اعتقاد المتطرف أنَّ أفكارَه ومعتقداته هي الوحيدة الصحيحة, وما دون ذلك يعدُّ منحرفاً , ونلمسُ هذا النوع من التطرف في منطقتنا العربية لدى الجماعات المتشددة , ولا سيما التي ترجع في أصولها إلى الأخذ من متبنيات الحركة الوهابية.
وبذلك يعدُّ الانحراف الفكري شكلاً من أشكال الإرهاب , ولا سيما عندما يتلبس الأفكارَ النبيلة التي يدغدغ من خلالها عواطف الشباب , الذين هم هدف أساسيّ للمتطرفين.
ويُجيد أصحاب الانحراف الفكري في إلباس الحقِّ بالباطل , والخلط بينهما , ولا سيما في الجوانب الفقيهة المختلف عليها بين العلماء , فيجوزون لك القتلَ على حرف أو فكرةٍ لم تصل اللسان, فالتشدد والتطرف والتكفير والغلو والإرهاب والعنف والترويع هي نتائج طبيعية للانحرافات الفكرية المعاصرة , وهي امتداد لانحرافات فكرية سادت منذ بدايات البشرية على مراحلَ ومستوياتٍ عدة .
وبالإضافة إلى التكفير والغلو نراهم يستعملون الحرب النفسية والغزو الفكري وغيرها من الأساليب التي تُستعمل لهدم الثوابت الفكرية للإنسان , و من ذلك ينشأ تأثير الانحراف الفكري على الأمن الفكري الذي يمكن تعريفه بأنّه ” سلامة فكر الإنسان و عقله و فهمه من الانحراف والخروج عن الوسطية والاعتدال في فهمه للأمور الدينية”
ولا سيما عندما يكون هناك اضمحلال بالثقافة الدينية , وانتشار سلوكيات خاطئة بين فئات المجتمع , وتكون المشكلة أكبر عندما يكون المجتمع غير محصّن ثقافياً وحضارياً ضد الأفكار المتطرفة التي تفد إليه من خلال شبكة الانترنيت أو الفضائيات أو المجلات أو الكتب وغيرها ؛ لذلك من الضروري تبني سياسة إعلامية تربوية معمّقة يشارك فيها المختصون وخبراء الأمن للحفاظ على الأمن الفكري للمجتمع.
إذ لا يمكن الاكتفاء بالأمن النفسي أو الأمن المادي دون وضع استراتيجية للحفاظ على الأمن الفكري , فهو حاجز حماية للأفراد والمجتمعات ضد الوقوع في الفوضى الفكرية غبر المستندة إلى العقيدة الدينية السليمة , ومن جهة أخرى فإنَّ الأمن الفكري يحقق الأمن الأخلاقي , فكلما كان الفكر سليماً كلما كان ذلك مدعاة للتصرف بخلق عالٍ , إذ يعي الفرد المحصن أمنه الفكري خطورة الأفكار المنحرفة والإرهاب , ويحترم آراء الآخرين , لذلك لم يعد الأمن يقتصر على مجرد حماية حدود الدولة من الغزوات الخارجية ولم يعد مقتصرا على الأمن الغذائي الذي يضمن البقاء على قيد الحياة و لا الأمن النفسي الذي توفره الأسرة لأفرادها حماية لهم من الاضطرابات العاطفية أو النفسية المحتملة، دون أن نهتمَّ بالأمن الفكري الذي يتماشى مع باقي أنواع الأمن الأخرى , إذ إهماله يؤدي إلى رضوخ العقل البشري لأي أفكار متطرفة تسعى الجماعات الإرهابية لترسيخها في أذهان المستهدفين من فئات المجتمع.