جرائم الإرهاب(2004-2022م) في ذكرى عاشوراء /2
د. قيس ناصر
جامعة البصرة
ضمن سلسلة المقالات التي نسعى إلى تقديمها من أجل توثيق جرائم الإرهاب في العراق, التي حدثت تزامناً مع ذكرى عاشوراء, تم تقديم المقال الأول الذي تضمن تسليط الضوء على الجرائم التي استهدفت الزائرين, ومواكب إحياء الذكرى في سنتي 2004م, و 2005م. وهذا المقال الذي هو الجزء الثاني, يأتي استكمالاً لما ذُكر في المقال السابق-الجزء الأول-, كإحصائية أولية لجرائم الارهاب في ذكرى عاشوراء في العراق على شكل الخصوص .
الجزء الثاني/ سنوات (2006م, 2007م, 2008م).
في عاشوراء 2006م, يمكن الإشارة إلى نجاح الخطط الأمنية التي وضعت لحماية الزائرين, ومواكب العزاء الحسينية في المدن العراقية لإحياء مراسيم عاشوراء, إذ لم تحدث سوى عملية اطلاق نار على موكب حسيني في بغداد, وتسببت حينها بجرح (6), لكن هذا لا يعني توقف العمليات الإرهابية في هذه الفترة, بل بالعكس كان هناك استهداف لشخصيات حكومية وأخرى مدنية , وفي الوقت نفسه, إن عدم استهداف زوار العتبات المقدسة أو مواكب إحياء ذكرى عاشوراء, كان كالهدوء الذي يسبق العاصفة, إذ بعد أقل من أسبوعين, حصل اعتداء شكل منعطفاً أمنياً خطيراً, تمثل باستهداف أضرحة الإمامين العسكريين عليهما السلام, ولاسيما قبة الضريح الشريف, التي كان يُسعى من ورائها إيقاع الفتنة بين أفراد الشعب العراقي, وهذا ما أدركته المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف, في بيانها الذي أصدرته حينها وجاء فيه:(..على الجميع, وهم يعيشون حال الصدمة والمأساة للجريمة المروعة أن لا يبلغ بهم ذلك مبلغاً يجرّهم إلى اتخاذ ما يؤدي إلى ما يريده الأعداء من فتنة طائفية طالما عملوا على إدخال العراق في أتونها….) .
أما في عاشوراء 2007م, فأساليب التنظيمات الإرهابية, قد اختلفت, إذ برزت جماعات متطرفة, مثل تنظيم جند السماء الذي يدّعي الولاء إلى آل البيت عليهم السلام, إلا أن ما يؤمن به هذا التنظيم بالأصل هو عبارة عن أفكار منحرفة بعيدة عن مبادئ التشيع ومحبة آل الرسول (صلوت الله عليهم), وكان أحد أسسه هو جيش الرعب الذي يضم ضباط سابقين ومقاتلين من الوحدات الخاصة في النظام الصدامي السابق, وكانت إحدى مهام هذه الجماعة الهجوم على مرقد الإمام علي (عليه السلام) وقتل علماء الدين وزوار الأضرحة المقدسة, حسب ما ذكره مؤلف كتاب حركة جند السماء, وراح ضحية التصدي لهذه الجماعة( 11 شهيدا و30 جريحا ) من القوات الأمنية .
وفي الجانب الأمني الآخر, استهدفت التنظيمات الإرهابية مواكب العزاء الحسيني في مناطق عدة, بدءاً من العاصمة بغداد-البياع, التي (استشهد فيها 8 وجرح 6), نتيجة استهداف حافلتهم بإطلاقات نارية, وفي ديالى -بلد روز, (استشهد 23 وجرح 75), في تفجير انتحاري استهدف حسينية علي الأكبر(عليه السلام), وفي بعقوبة أيضاً, (استشهد 3) برصاص قناص, بينما كانوا يوزعون الطعام بمناسبة إحياء ذكرى عاشوراء, أما في خانقين التابعة إلى ديالى، فقد (استشهد 12 وجُرح 39 آخرون) بانفجار عبوة ناسفة استهدفت مواكب إحياء الذكرى, وفي مندلي- ديالى قد شهدت (استشهاد12 وجرح 40 آخرون) عندما فجّر انتحاري نفسه وسط تجمع لإحياء ذكرى عاشوراء. كذلك كانت هناك سيارة مفخخة وسط موكب للعزاء الحسيني في الزعفرانية – بغداد، وأسفرت عن وقوع عدد من الضحايا بين قتيل وجريح, فضلاً عن استهداف المنطقة ذاتها بقذائف الهاون وأسفر عن( استشهاد 11 وجرح 28 آخرين), كذلك سقطت قذائف هاون على منزل في الكاظمية و(جُرح 3 أفراد) من عائلة واحدة. وفي منطقة خان بني سعد- شمال شرق بغداد سقطت قذيفة هاون على موكب عزاء حسيني وأسفرت عن (جرح 4 أشخاص). وفي قضاء طوز خورماتو بمحافظة صلاح الدين استهدف انتحاري أحد المساجد مما تسبب في (استشهاد 2 وجرح 4) أثناء إحياء الذكرى .
وبعد أقل من أسبوعين أيضاً من ذكرى عاشوراء, تكرر سيناريو 2006م, في استهداف مرقد الإماميين العسكريين (عليهما السلام), إلا أن هذه المرة تم استهداف المواطنين مع الذكرى الأولى, في سوق الشورجة, بعدة تفجيرات راح ضحيتها (250 شخصا) – وهم عراقيون من كل الطوائف- ما بين شهيد وجريح, عبر العبوات الناسفة والسيارات المفخخة, وقد وصف الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني(رحمه الله)، هذه التفجيرات بأنها (جريمة ضد الإنسانية والإسلام).
وفي القسم الأخير من هذا الجزء الثاني للمقال الثاني من سلسلة مقالات جرائم الإرهاب في ذكرى عاشوراء, ولا سيما مع عاشوراء سنة 2008م, على مستوى الاستهداف المباشر للإرهاب, فقد كان أبرزها انفجار سيارة مفخخة في حي بغداد الجديدة شرقي العاصمة العراقية حيث (استشهد 2 وجرح8 أشخاص). وفي تلعفر,( استشهد 7, وجُرح 20), نتيجة سقوط كاتيوشا على تجمع لإحياء ذكرى عاشوراء, أما في كركوك, فقد (استشهد 2 وجُرح 2), أثناء توجههم للمشاركة في إحياء ذكرى عاشوراء جراء انفجار عبوة ناسفة. وفي بعقوبة (استشهد 8, وجُرح 27), في هجوم انتحاري استهدف موكب عزاء قرب أحد المساجد .
وفي اثناء احياء ذكرى عاشوراء لهذه السنة 2008م, قد تكرر سيناريو التنظيمات المتطرفة في جنوب العراق, بسيناريو مختلف عن المناطق العراقية الأخرى, متمثلة بوجود بعض الحركات في محافظتي البصرة وذي قار, وتطلق الحكومة العراقية على هذه الحركات بالفئات الضالة, إذ (استشهد 2) من الشرطة وسط الناصرية بنيران قناص من تلك الجماعة الضالة, (وجُرح 55) من القوات الأمنية, فضلاً عن اكتشاف تفخيخ إحدى حسينيات المدينة من قبل مسلحي الجماعة الضالة, متزامناً مع الاعتداء على المواكب الحسينية, وقد اتهموا بمهاجمة مسيرات عاشوراء ومراكز الشرطة في البصرة والناصرية, وفي البصرة, (استشهد 7) من رجال الأمن في المواجهات مع هذه الجماعة الضالة بينهم ضابط برتبة عقيد, (وجُرح 10 آخرون), وكانت المواجهات قد اندلعت في البصرة والناصرية في الوقت نفسه .
ومن الجدير بالذكر, أن جرائم الارهاب في السنوات الثلاث (2006م, 2007م, 2008م) اتخذ مسارات وأماكن مختلفة مع ذكرى عاشوراء, في الجنوب والوسط والشمال, وبوسائل مختلفة: سيارات مفخخة, قاذفات هاون, قنص, عمليات انتحارية, وتوّجت هذه العمليات الإرهابية باستهداف الاضرحة المقدسة, فضلاً عن توظيفها للجماعات الضالة من أجل تنفيذ عمليات إرهابية مع إحياء ذكرى عاشوراء, ولا سيما في المناطق التي كانت تُعرف بالآمنة .