ataba_head

الطفولةُ في زمن البعثِ وغرس ثقافة العنف والكراهية

الطفولة في زمن البعث وغرس ثقافة العنف والكراهية

أ.د. حسين الزيادي

جامعة ذي قار

 

 

       لم تسلم الطفولةُ من عبث سلطة البعث ونهجها العدائي المتطرف، فقد تغلغلت التصرفات العدائية في صميم النظام التربوي وأرخت بظلالها على طلبة المدارس، وأسهمت في تنمية روح الكراهية والعنف والاضطراب العاطفي، وهو أمر يشير إلى أن هذه الظاهرة متجذرة في ثقافة البعث، ومن أمثلة ذلك إطلاق العيارات النارية خلال مراسيم رفعة العلم أيام الخميس أمام أنظار ومسامع الطلبة، وظاهرة الطلائع والفتوة وارتداء الزي العسكري من قبل إدارات المدارس وحملهم للسلاح الشخصي، فضلاً عن الأناشيد والأهازيج التي تدعو للعنف والكراهية ورفض الآخر، و لا يخفى ما لهذا التصرف من آثار ونتائج كارثية على نفسية الطفل وعلى المجتمع بصورة عامة، فضلاً عن كونها تصرفات همجية رعناء ترفضها كل النواميس والقوانين والأنظمة والتشريعات الخاصة بحماية الطفل، لأنَّ التعرض لهكذا مشاهد يسهم في فرز سلوكيات منحرفة ضارة ومدمرة، أبرزها السلبية والأنانية ورفض الآخر، إلى جانب التقليد الأعمى ، علماً أن غرس ثقافة العنف والكراهية تكون مؤثرة وتجد صداها بشكل فعال لدى الأطفال في فئات السن المبكرة خاصةً، فهم يتفاعلون مع المشهد بشكل سريع وساذج ويحاولوا أن يقلدوه، فالطفل كما يعبر عنه علماء النفس كالإسفنجة اللينة يمتص كل ما حوله، وما يعرض في رفعة العلم أيام الخميس من مشاهد  ودعوة الى العنف والعدوان تدفع الطفل لتقليدها وطالما سمعنا عن أطفال لم تتجاوز أعمارهم عشر سنوات قاموا بجرائم قتل دون وعي لخطورة ما يقومون به بل دفعتهم الرغبة في تقليد ما يشاهدونه .

العنف في مسيرة البعث له جذور بعيدة منذ تأسيس الحزب وسيطرته على مقاليد الحكم في العراق، فهو عنف ينحدر من جذور بدوية جاهلية لأن العصابة البعثية الحاكمة كانت قروية بدوية بامتياز مرتبطة مع الصحراء حيث يعدّ الثأر والانتقام والغلبة بحسب آرائهم ومعتقداتهم قيم رجولية عشائرية عليا ينبغي ترسيخها، فضلاً عن الجذور المحلية لبعض قادة البعث الذين يمثلون طرازاً آخر من العصابات و (الشقاوات) في مناطق الكرخ والفضل وباب الشيخ والمحلات الشعبية في بغداد القديمة بما فيها من قسوة وغدر وقتل وانحراف، وقد أخذت الطفولة في العراق إبّان حكم البعث نصيبها من تنمية وترسيخ ثقافة العنف من خلال المشاهد الحية، حيث يعد العنف المرئي من أخطر أنواع العنف ؛ لأنه يزيد الاستجابات العدائية لدى الأطفال،  فالأطفال لا يولدون وهم محملون بالسلوكيات غير المقبولة اجتماعياً، لكن البيئة تسهم في بلورة وغرس الدوافع والنزعات ومنها العنف والكراهية، ففي مرحلة الطفولة يقوم الطفل بتخزين كل ما يراه، وبالتالي فإن المشاهد العنيفة المرئية والمسموعة تؤثر على سلوك الطفل وتصرفاته، مما ينمي العنف في نفسه ويجعله يمارسه مع زملائه في الشارع أو في المدرسة أو مع أسرته في البيت، وتهيء الأرضية المناسبة لانحرافه وربما دخوله معترك الجريمة.

أما أناشيد الطفولة فقد انحرفت هي الأخرى باتجاه تنمية روح الكراهية والعنف، فهذه الأناشيد تعبر بطريقة فجة عن إرهاب خفي وعدائية اتجاه الآخر، ومنها على سبيل المثال أنشودة (هسه يجي بابا البطل متخيل الدبابة) تخيل طفل ينتظر أباه وهديته ستكون الدبابة أو المدفع أو آلة القتل؟ ومنها أنشودة ( يابنت العم قومي اعطيني البارودة)، وقبلها النشيد المدرسي في المراحل الابتدائية (أنا جندي عربي بندقيتي بيدي)، والأمثلة في ذلك كثيرة،  ولنا أن نتسائل إلى أين أوصلتنا (البندقية البعثية) ؟

لقد أوصلتنا إلى الخراب والدمار والانهيار في المجالات كافة وزرعت المآسي في كل بيت، أما أنشودة (يا حوم اتبع لوجرينا) فهذه الأنشودة تحتاج إلى مجلدات للتمعن في فلسفتها ، فهي دعوة صريحة للقتل والمثلة بالميت ومخالفة صريحة لتعاليم الشريعة التي تدعو إلى إكرام الميت ودفنه.

  لم تنته سطوة العنف التي زرعتها أكف البعث اللعينة بانتهاء حكمه، بل استمرت لذلك نلحظ أن اللعب التي يقتنيها أولياء الأمور الذين عاشوا تلك المدة وبدون قصد منهم غالباً ما تكون أسلحة الحرب، وهي التفاتة ربما لم يسلط عليها الضوء، الأمر الذي يشير إلى عمق الشرخ الذي أحدثه نظام البعث في المنظومة الجمالية للإنسان، فضلاً عن المنظومة الاجتماعية والأخلاقية، وإسهامه في نشر جواً من الإرهاب الفكري والمادي، أسهم من خلاله في إذلال شعبه، وجعل البعض يميل إلى النفاق تقيةً وتخلصاً مما يهدده من مصير أسود .