ataba_head

جرائم الإرهاب(2004-2022م) في ذكرى عاشوراء / 1

جرائم الإرهاب(2004-2022م) في ذكرى عاشوراء

-1-

د. قيس ناصر

جامعة البصرة

 

 

 

   لم تكن سياسةُ التنظيمات الإرهابية مختلفة عن سياسة حزب البعث في العراق قبل 2003م اتجاه الشعائر الحسينية, إلا أن الاختلاف الذي حصل هو في شكل الجريمة ومنفذيها, فبعد أن كانت الوسائل في زمن حزب البعث تتضمن عملية تحجيم لطرق إحياء الشعائر, من خلال المنع والاعتقال والقتل بأدوات السلطة الحكومية, أصبحت بعد 2003م, مع التنظيمات الارهابية تتمثل باستخدام التفجيرات من خلال العمليات الانتحارية أو السيارات المفخخة, فضلاً عن الهجوم المسلح للإرهابيين في بعض مناطق العراق, و لاسيما مع السنوات الأولى للاحتلال الأميركي .

   بدءاً, إن هذا المقال سيتضمن سلسلة أجزاء, يُعرض من خلالها احصائية أولية لضحايا العمليات الإرهابية التي استهدفت المُعزين في يوم عاشوراء, وللفترة من 2004-2022 م, أي أنه لا يشمل ضحايا مراسيم زيارة أربعين الإمام الحسين (عليه السلام) أو الزيارات الأخرى, ومن الجدير بالذكر أن حالة الدراسة هي دولة العراق, لأن جرائم الإرهاب تستهدف أية بقعة في العالم يتم فيها إحياء ذكرى عاشوراء, وقائمة الدول المستهدفة طويلة في هذا السياق .

الجزء الأول/ (السنوات: 2004, 2005م)

     تُعد سنة 2004م ( 1425 هـ), السنة الأولى بعد الاحتلال الأميركي, التي أحيا فيها العراقيون ذكرى عاشوراء, وكان يوم إحيائها أحد أكثر الأيام الدموية التي ارتكبها الإرهابيون في العراق بعد 2003م, حيث كان ضحيتها أكثر من 754 بين شهيد وجريح في مدينتي كربلاء والكاظمية المقدستين, إذ استشهد 181, وجُرح 573, في عملية مخطط لها بواسطة مجموعة من الانتحاريين والعبوات الناسفة, فضلاً عن اطلاق القذائف باتجاه مواقع إحياء المراسيم, وكانت الدولة العراقية حينها تدار من سلطة الاحتلال, ومجلس الحكم الانتقالي .

   وعن أحد الأطباء, إن في كربلاء وحدها كان عدد الضحايا ما يقارب 100 شهيد و300 جريح, ونقلاً عن أحد القضاة المكلفين حينها بالتحقيق في تفجيرات كربلاء، أن تسعة انتحاريين كانوا مسؤولين عن الهجمات في كربلاء فقط. أما تفجيرات الكاظمية فقد شارك في تنفيذها ثلاثة انتحاريين على وفق تصريحات لسلطة الاحتلال الاميركي .

   وجاءت هذه التفجيرات, ضمن مرحلة كان فيها المجرم الزرقاوي يدعو إلى قتل الشيعة, تحت شعار( إن خطرهم على الإسلام أشد من تواجد المحتل الصليبي الكافر), ففي الرسالة التي وجهها الزرقاوي إلى تنظيم القاعدة في افغانستان تضمنت حثهم على قتل الشيعة, لأن استهدافهم وضرب رموزهم الدينية والسياسية والعسكرية سوف يجعلهم يظهرون غضبهم ضد السنة-على وفق تعبيره-, وقد تضمنت رسالة الزرقاوي تفاصيل خطة جر العراق إلى حرب طائفية حتى الوصول الى ساعة الصفر التي يتم فيها السيطرة على الأرض في الليل, وبعد ذلك في وقت النهار, بمعنى آخر أن السيطرة على الشارع العراقي في الليل تكون للمجاميع الإرهابية تمهيداً للسيطرة بشكل كامل, ومن المقرر لساعة الصفر قبل أربعة أشهر من تشكيل الحكومة العراقية, التي كان يُراد تشكيلها في حزيران 2004م, وحين مراجعة توقيت ساعة الصفر في تلك الرسالة يُلاحظ أنها متزامنة مع زيارة عاشوراء الامام الحسين (عليه السلام) التي حدثت في تلك السنة في بداية شهر آذار .

   وقد أدركت المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف, أهداف تلك التفجيرات, وأصدرت بياناً حينها خاطبت فيه الشعب العراقي دون تمييز بين دين أو قومية أو طائفة, تضمن في جزء منه (ندعوا جميع أبناء الشعب العراقي العزيز إلى مزيد الحذر والتنبّه لمكائد الإعداء والطامعين ونحثهم على العمل الجاد لرصّ الصفوف وتوحيد الكلمة في سبيل الاسراع في استعادة الوطن الجريح سيادته واستقلاله واستقرار)  .

    أما في سنة 2005,(1426 هـ), فكان ضحايا الإرهاب في يوم عاشوراء موزعين على مناطق العاصمة بغداد, كالآتي:  في ساحة عدن (19 شهيد, و40 جريح), نتيجة عملية انتحارية استهدفت الزائرين المتوجهين لزيارة الإمامين الكاظم والجواد (عليهما السلام), وقد فجر الانتحاري نفسه بعد تبادل لأطلاق النار مع القوات الأمنية بالقرب من الحاجز الذي يمنع المركبات من دخول الكاظمية, وفي الكاظمية أيضاً, حصل استهداف لموكب خدمة للزوار راح ضحيته( 4 شهداء, و 37 جريح), ويذكر أن القائمين على هذا الموكب من أسرة تتبع مذهب أهل السنة والجماعة, وفي هذا التفجير الإرهابي الذي كان نتيجة عملية انتحارية استشهد أحد أفرادها, وهذا الأمر يؤكد أن المهتمين بأحياء يوم عاشوراء في العراق لا يقتصر على الشيعة فحسب, بل هناك من أتباع ديانات وقوميات ومذاهب مختلفة, وقرب جامع النداء استُهدف الزوار المتوجهين إلى الكاظمية بقذائف هاون, وكان نتيجة الهجوم الإرهابي( 5 شهداء, و26 جريح), وفي هجومين منفصلين على مسجدين في البياع والدورة راح ضحيته( 30 شهيد, و 46 جريح), الهجوم الأول بقذائف الهاون, والثاني نتيجة عملية انتحارية في وقت صلاة الظهر تقريباً, وفي حي الشعلة( استشهد 3 وجرح5 ).

   وفي بداية شهر المحرم قبل أيام من إحياء ذكرى عاشوراء استهدف هجوم انتحاري بسيارة مفخخة مسجداً في مدينة بلدروز التابعة إلى محافظة ديالى, مما أدى إلى( استشهاد 14 و جرح 22(, وفي الاسكندرية التابعة إلى محافظة بابل استهدفت سيارة مفخخة مجموعة من أتباع آل البيت (ع) أثناء خروجهم من المسجد قبل يوم من عاشوراء ( واستشهد حينها 7 وجُرح عشرة) .

   وبالعودة إلى الجرائم الإرهابية التي ارتكبت في يوم عاشوراء في بغداد, فقد استهدف انتحاري مجموعة من المشيعين لجنازة نتيجة التفجيرات السابقة راح ضحيته ( 4 شهداء و39 جريح) متزامنة مع يوم عاشوراء.

   والملاحظ  في هذه السنة تزامناً مع إحياء الذكرى, إن (عدد الشهداء قد بلغ 76 وعدد الجرحى 209), وعلى الرغم من حدوث العمليات الإرهابية, إلا أن القوات الأمنية استطاعت منع حدوث أية خروقات في مدينة كربلاء أو بالقرب من الأضرحة المقدسة, على العكس من السنة الماضية التي حدثت فيها مجزرتي كربلاء والكاظمية, لهذا عمل الإرهابيون على توسيع دائرة عملياتهم الإجرامية المستهدفة مجالس إحياء ذكرى عاشوراء, بحيث أن كل مجلس عزاء أو موكب خدمة في ذلك الوقت كان هدفاً للإرهاب, ويمكن القول إن عدد ضحايا العمليات الإجرامية في ذكرى عاشوراء في سنتي 2004م, و 2005م قد بلغ أكثر من ألف ضحية بين شهيد وجريح .

يتبع الجزء الثاني………..