النزوح والتهجير القسري في العراق بعد عام 2003م
د. حسام صبار هادي
جامعة ذي قار / كلية الآداب
مما لاشكَّ فيه أنَّ الظروفَ السياسيّة والاقتصادية التي شهدها العراقُ خلال العقود الأخيرة لاسيما خلال العقدين الماضيين أدت إلى تحركاتٍ سكانيةٍ داخلية وخارجية واسعة, وأن معظمَ تلك التحركات لم تكن اختيارية, وإنما ارتبطت بمفهوم التهجير القسري(Forced), أو ما يسمى بالنزوح(Exodes), ويعرف النزوح بحسب وثائق الأمم المتحدة: بأنه اضطرار أو إجبار مجموعة من السكان للهرب وترك ديارهم وأماكن إقامتهم المعتادة نتيجة لنزاع مسلح, أو حالات عنف عام, أو انتهاكات لحقوق الإنسان, أو كوارث طبيعية, تضاف لها الدوافع الاقتصادية والاجتماعية القاهرة التي تجبر السكان على التحرك نحو المناطق الأخرى.
شهدت السنواتُ التي تلت عام 2003 في العراق حراكاً سكانياً كبيراً نتيجة العنف المتنامي في ما اصطلح عليه إعلامياً بالمناطق الساخنة, فلقد طرأت على المشهد العراقي التفجيرات الانتحارية وجرائم القتل البشعة والعشوائية ضد المدنيين التي بلغت ذروتها بعد تفجير مرقد الإمامين العسكريين “عليهما السلام” في سامراء 18/2/2006, إذ شكل هذا الحدث انعطافاً كبيراً أخذت بعده ظاهرة الهجرة القسرية أبعاداً سياسية واقتصادية واجتماعية, حتى وصف عام 2006 بأنه عام الكارثة الإنسانية في العراق نتيجة لارتفاع عدد القتلى والجرحى والنازحين, بحيث بلغ إجمالي عدد المدنيين الذين قتلوا خلال شهري تموز وآب فقط من العام نفسه (34452) قتيلاً ونحو(136985) جريحاً بحسب ما جاء في تقرير بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق, ووفقاً للمصادر الرسمية العراقية الصادرة عن وزارة الهجرة والمهجرين تجاوز عدد النازحين داخلياً في العراق خلال الأشهر القليلة التي تلت أحداث سامراء نحو (246337)عائلة, بواقع (1428755) نسمة.
هذا وقد بلغت حصيلة الأفراد النازحين داخلياً في العراق خلال المدة (2003–2020) نحو (7611780) نازحاً, أي ما يشكل نسبة(18.9%) من إجمالي سكان العراق عام 2020, وهي نسبة مرتفعة جداً رافقتها تحولات ديموغرافية كبيرة وخطيرة, سيما ونحن نتحدث عن جميع المحافظات التي ظهرت على شكل مجموعتين متساويتين من حيث قوة الجذب والطرد السكاني, بيد أن معظم تلك التحركات حدثت خلال السنوات الثلاث الأولى (2014 – 2017), وتوصف هذه المرحلة بأنها المرحلة الأسوأ في تأريخ العراق المعاصر بسبب موجة النزوح والهجرة الواسعة غير المسبوقة التي حدثت بعد دخول مسلحي عصابات داعش الإرهابية إلى المحافظات الغربية وجزء من المحافظات الشمالية والوسطى في حزيران عام 2014, وما خلفته من تداعيات وآثار خطيرة على حاضر المجتمع ومستقبله, ولا تقتصر خطورتها على الجانب الإنساني وما يعانيه النازحين, بل أن آثارَها السلبية طالت كافة المستويات والأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية والثقافية المختلفة.
ووفقاً للإحصاءات الأخيرة الصادرة عن وزارة الهجرة والمهجرين العراقية, فإن عدد النازحين داخلياً في العراق خلال تلك المرحلة التي تمتد على مدى ثلاث سنوات تقريباً بلغ(3064146) نازحاً, بواقع (548997) عائلة, كما أن غالبية النازحين (87.6%) هم في الأصل من ثلاث محافظات هي, نينوى بنسبة (40.3%), تليها الانبار بنسبة (32%) ثم صلاح الدين بنسبة (15.3%), في حين أسهمت خمس محافظات أخرى هي كركوك وديالى وبغداد وبابل واربيل بما نسبته (12.4%) من إجمالي عدد النازحين.
ومن جانب آخر برزت محافظات الوسط والشمال عدا إقليم كوردستان كمحافظات مستضيفة للنازحين باستقطابها (62.5%) من إجمالي عدد النازحين, في حين استضافت محافظات الإقليم الثلاث ما نسبته (29.5%) من إجمالي عدد النازحين, كما استقبلت محافظات الفرات الأوسط الخمس(النجف وكربلاء وبابل والقادسية والمثنى) نسبة (7.2%) من إجمالي عدد النازحين, اما محافظات جنوب العراق فلن تستقطب سوى نسبة ضئيلة بلغت (0.8%) فقط من إجمالي عدد النازحين, وإذا ما اعتمدنا محافظة بغداد كحد فاصل لحركة النازحين, نلاحظ أن بغداد والمحافظات الواقعة شمالها استوعبت (91.2%) من إجمالي عدد النازحين, بينما جاءت حركة النازحين اتجاه المحافظات الواقعة جنوبها متدنية لم تتجاوز بمجموعها ما نسبته (8.8%) من إجمالي عدد النازحين.
ويجدر التنويه إلى أنه بعد الاعلان رسمياً عن تحرير كافة المحافظات والمدن العراقية أواخر عام 2017, التي سبق وان استولت عليها التنظيمات الإرهابية, بادرت العديد من العوائل النازحة بالعودة لمناطق سكناها, ليبلغ عدد العائدين من النزوح الطارئ والمسجلين لدى وزارت الهجرة والمهجرين نحو(1226973) فرداً, بواقع (217050) عائلة, أي ما يشكل نسبة (39.5%) من إجمالي عدد العوائل النازحة, موزعة على محافظات الأصل للنازحين, وعلى نحو ترتيبي تتصدره محافظة الانبار بنسبة (37.4%), تليها بفارق قليل محافظة نينوى بنسبة (35.7%),ثم محافظة صلاح الدين بنسبة (14.8), اما بقية المحافظات فقد شكلت بمجموعها نسبة تراكمية بلغت(12.1%) من إجمالي عدد الأفراد العائدين من النزوح. والآمال تتصاعد بشأن ازدياد عدد العائدين لاسيما بعد تطهير المدن المحررة من بقايا فلول الإرهاب والمخلفات الحربية والعمل على إعادة الخدمات الأساسية لحياة السكان.