ataba_head

من أرشيف الذاكرة الشعبية : الشعائر الحسينية في زمن حزب البعث في العراق الحلقة الثانية حكاية زاير كاظم عن عاشوراء في زمن حكم حزب البعث في العراق

من أرشيف الذاكرة الشعبية : الشعائر الحسينية في زمن حزب البعث في العراق الحلقة الثانية

حكاية زاير كاظم عن عاشوراء في زمن حكم حزب البعث في العراق

د. عباس القريشي

 

في عام 2007 م وفقني الله عزّ وجل لأكون في خدمة الإمام الحسين (عليه السلام) في محافظة ميسان ( العمارة ) في منطقة تدعى الخُمس حيث تقع الأهوار التي كانت مأوى للمعارضين والثوار ضد حزب البعث وأزلامه، وكان يغلب على أهالي تلك المناطق حبهم الفطري والكبير لأهل البيت (عليهم السلام) وهم مواظبون على إحياء مجالس عزاء الإمام الحسين (عليه السلام) بأحلك الظروف وأصعبها ومهما كانت التحديات كبيرة.

وبعد كل مجلس يدور الحديث حول مجموعة من القضايا التي تهم المجتمع الميساني كالصراعات بين العشائر ومشاكل المجتمع أو إغاثة الملهوف وحماية الدخيل ونحو ذلك، وكان من بين الحضور شيخ جليل يجلس في أحد أركان المضيف بوجهه الذي يشع نورا ولحيته البيضاء وتقاسيم وجهه الذي أتعبته الحياة لعله في عقده السابع يدعونه (زاير كاظم ) لسانه يلهج بشكر الله، قليل الحديث.

استمراره على شكر الله شدني أن أستنطقه فقلت لها يا حاج ، إنَّ الله عزو جل يقول: ( وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) قال: نعم، فقلت على ماذا لسانك لهج بشكر الله؟ قال: يا شيخ على نعمة الله في خلاصنا من حزب البعث وتمكينه إيانا إقامة مجالس عزاء الإمام الحسين ( عليه السلام) بحرية.

قلتُ : يا حاج بحسب علمي أنَّ مجالسكم أيام النظام البائد كانت عامرة وحضورها كثير؟

قال: نعم كان مجلسنا من المجالس القلائل في العمارة ولكن لم نتمكن من إقامته بسهولة ! كان هناك عدد من الإجراءات يجب القيام بها.

منها: التوقيع على تعهد بعدم الخوض بالسياسة.

ومنها: عدم الحديث عن المسائل الفكرية والعقدية وعدم التطرّق إلى الأحداث التأريخية المهمة. ومنها: اقتصار القارئ الحاصل على إجازة من الأمن البعثي على رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه.

ومنها : التعهد بجميع الحضور ألا يخوضوا أحاديث سياسية أو دينية.

ومنها: دفع أموال أو حبوب القمح لعدد من القيادات البعثية المسؤولة من أجل موافقتهم.

ومنها: أن يبقى أحد مقيمي مجلس العزاء رهينة لدى الحزب في المنظمة أو الشعبة وكان أخي المرحوم أبو عيسى كثيرا ما يبقى هو لديهم وفي أوقات أخرى أنا أكون بديلا عنه! وفي حال عدم الالتزام بذلك فإنَّ الموقّع على التعهد يُعاقب بالإعدام!.

نعم، عزيزي القارئ ما ذكره الحاج زاير كاظم ما هو إلا القليل , فلحزب البعث ورجالاته تعليمات صارمة اتجاه الشعائر الحسينية فكانت في كل عام قُبيل حلول شهر المحرم الحرام تصدر جملة من التعليمات إلى قيادي الفرق وأعضاء حزب البعث تحت عنوان “تعليمات شهر محرم” فمن بين تلك التعليمات كما توضحه الوثائق:

  • يمنع المشي إلى كربلاء المقدسة ويجب إنزال أشد العقوبات بحق المخالفين وفي حال ثبت تهاون الحزبيين مع الزائرين وتم القاء القبض على أحد الزائرين مشيا فإن المسؤولية تتحملها الفرقة الحزبية!
  • منع شعيرة اللطم على الإمام الحسين عليه السلام وما جرى في واقعة الطف.
  • عدم السماح للخطباء بممارسة خطابتهم في مجالس العزاء ما لم تكن لديهم إجازة قراءة سابقا من مديريات الأمن ! وإذا كان لديهم إجازة فممنوع عليهم القراءة بمكبرات الصوت أو القراءة في البيوت! أو الجوادر (السرداق) بل تنحصر القراءة في الجوامع فقط.
  • على قارئ مجلس العزاء أن يمجد بالقائد الضرورة المقبور صدام حسين! ويدعو له على المنبر.
  • طبخ الطعام لا يكون إلا في البيوت ومن يخالف يحاسب حسابا عسيراً!
  • يمنع الأطفال من إلقاء القصائد الحسينية!
  • منع بيع أشرطة المسجل الحسينية من قبل أصحاب التسجيلات.
  • فحص كاسيتات(أشرطة مسجل عليها قصائد او محاضرات حسينية) في السيارات.
  • منع توفير سيارات لنقل الزائرين والاكتفاء فقط بسيارات الخطوط .
  • على رجال حزب البعث وقياداته والعناصر الأمنية الاستعداد والتهيؤ عسكريا وأمنيا طيلة شهري محرم وصفر ، وغير ذلك من التعليمات كما هو مبين في الوثائق أدناه:

                         

فكان العراقيون المسلمون الشيعة تحديدا محظورا عليهم ممارسة طقوسهم الدينية مع أنّهم أغلبية في المجتمع العراقي ويعتمد عليهم في تكوين جيشه الذي خاض فيه ثلاثة حروب خاسرة.