banarlogo

ملامح الوسطية والاعتدال في نهضة الإمام الحسين “عليه السلام”

ملامح الوسطية والاعتدال في نهضة الإمام الحسين “عليه السلام”

أ.د. حسين الزيادي جامعة ذي قار

 

    يشكلُ منهج الاعتدال والوسطية عماد بناء المجتمع , وأساس رفاهيته وتعايشه السلمي كونه منهج يدعو إلى المساواة ونبذ التفرقة والتّطرف، وصولاً إلى تجاوز حالات الاختلاف والنزاع بما يحقق التعايش والوئام الوطني، ولا شك أنَّ سيادة مشاعر الكراهية والحقد والتطرف من الأمراض التي ابتليت بها الأمة وهي تنخر جسدها بقوة وتفتك مكامن أمنها الاجتماعي، وعلى الرغم من عدم إنكار وجود الاختلاف والتناقض في المصالح والمنافع بين بني البشر عامة وهو أمر طبيعي بل ربما يكون ضرورياً لديمومة الحياة، لأنه ركيزة مهمة من ركائز التعايش المجتمعي، إلا أن الغلو والتطرف غالباً ما يكون عاملاً لقطع كل علاقة قائمة بين أفراد المجتمع، وهنا يأتي دور الاعتدال لما له من نفوذ وتأثير فعال في تهذيب الأخلاق وتلطيف الأمزجة الحادة والطباع الغليظة.

        والنهضةُ الحسينيّة على كثرة دروسها وعبرها ودلالاتها كانت تهدف لإيقاف مشروع التطرّف الأُموي وإرجاع الأُمة إلى خطّ الاعتدال والوسطيّة والوقوف بوجه الكراهية  ورفض الآخر، لذلك أخذت هذه النهضة المباركة على عاتقها مواجهة أشكال التطرّف والانحراف الذي يسري في جسد المجتمع الإسلامي آنذاك، بفعل سياسات الحكام المتسلطين.

    عندما عزم الإمام الحسين وشد الرحيل إلى كربلاء تخلف عنه الكثير من الصحابة وأبنائهم ومن التابعين بل حتى من الهاشميين، إلا أن الإمام  لم يكفر أحداً بل لم يخطأ أحداً ولم يصلنا شيء من هذا القبيل، وعلى العكس من ذلك كان واضحاً صريحاً وهو يطلق عبارته التي خلدها التأريخ في رسالة أرسل بها إلى بني هاشم : أما بعد فأن من لحق بي استشهد ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح والسلام، هذه الرسالة على اختصارها وإيجازها رسالة بليغة ومهمة الدلالة وتشير إلى الآثار التي تترتب على هذه النهضة المباركة، الدلالة الأولى أن الحسين “عليه السلام” بعيد جداً عن مفهوم: إن لم تكن معنا فأنت ضدنا، وهو مفهوم أموي رسّخه الطغاة منذ أقدم الأزمان ومازال قائماً في سياسة اليوم، والدلالة الأخرى لهذه الرسالة أن الحسين “عليه السلام” يؤمن بصراحة الحاكم مع شعبه ويؤمن بأن مبدأ الشفافية لا بديل عنه في تعامل الحاكم مع رعيته،  ولا يريد الإمام أن يغرر بمن يتبعه ولا يريد أن يعطيه الكثير من الوعود الدنيوية. 

      لقد سطّر الإمامُ الحسين “عليه السلام ” تاريخه المجيد بأحرف من مجد وفخار واعتزاز، فكانت سلوكيات الإمام الحسين “عليه السلام”  وأفعاله خلال معركة الطف المتجذرة تقوم على الاعتدال والوسطية والحوار وكان عليه الصلاة والسلام يتمثل الوسطية والاعتدال في شخصيته وسماته فها هو يحاور الجيش الأموي قائلاً: أيها الناس، أنسبوني من أنا، ثمّ ارجعوا إلي أنفسكم وعاتبوها، وانظروا، هل يحلّ لكم قتلي وانتهاك حرمتي، ألست ابن بنت نبيّكم وابن وصيّه وابن عمه وأول المؤمنين بالله والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربّه؟ أو ليس حمزة سيد الشهداء عمّ أبي؟ أو ليس جعفر الطيّار عمّي؟ أو لم يبلغكم قول رسول الله لي ولأخي هذان سيّد شباب أهل الجنة، وبعد حوار قال (عليه السلام) لهم : فإن كنتم في شك من هذا القول، أفتشكون أنّي ابن بنت نبيّكم، فو الله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبيّ غيري فيكم ولا في غيركم، ويحكم! أتطلبوني بقتيل منكم قتله، أو مال لكم استهلكته، أو بقصاص جراحة.

أشارت هذه المحاورة إلى جملة من الأساسيات والثوابت التي ينبغي الوقوف عندها طويلا، فالدلالة الأولى لهذه المحاورة تشير إلى إيمان الإمام الحسين “عليه السلام” مطلقاً بمبدأ الحوار، فقد خاطب الإمام جمعهم بقوله: أيها الناس، ولم يخاطبهم أو يتهمهم بالكفر والزندقة والانحراف وغير ذلك، والدلالة الثالثة المستوحاة من هذه المحاورة التي تعد واحدة عشرات الخطب التي بدأها الامام منذ خروجه من المدينة وحتى يوم المعركة، تتمثل بإلقاء الحجة عليهم وتذكيرهم بحسبه ونسبه، وفي اللحظات الأخيرة للمعركة والحسين “عليه السلام” وحيداً خاطبهم بخطاب آخر ونعتهم بأنهم شيعة آل أبي سفيان ولم ينصرف قول الإمام إلى صفة أخرى: ويحكم، يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم هذه، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عربا كما تزعمون.

وأخيراً يمكن القول اننا مدعوين ان نجعل الحسين رمزاً لاعتدالنا وتعاضدنا كي نستفيد من ثورته وفكره الوضاء قبل غيرنا ولنجعل أيام عاشوراء أيام حزن وألم الحسين “عليه السلام” أولاً وعلى المبادئ والقيم التي افتقدناها بعد الحسين عليه السلام ثانياً ، فالرسالة السامية للحسين أسمى وأطهر من أن تدنسها أفكار ملوثة ومسمومة ..