banarlogo

حملة إبادة الأيزيدية … قراءة في كتاب القاضي قاسم شيخ أوسمان

حملة إبادة الأيزيدية

قراءة في كتاب القاضي قاسم شيخ أوسمان

د. قيس ناصر

جامعة البصرة

 

   من الواجب القول, إنَّ إبادةَ الأيزيدية قد تكرّرت لأكثر من سبعين مرة, منذ عام 1254م مع بدر الدين لؤلؤ -صاحب الموصل, والمُلقب بالملك الرحيم !!!, الذي هجم على أيزيدية شيخان ونبش قبر الشيخ عدي بن مسافر وذبح أكثر من 200 شخص , وقطع رؤوسهم التي عُلِّقت لاحقاً على أبواب الموصل, وحتى عام 2014م مع جرائم تنظيم داعش الإرهابي, لكي تتصدر مشهد جرائم الإبادات في القرن الحادي والعشرين متشاركة مع مجزرة سبايكر التي راح ضحيتها 2167 شهيدا على وفق إحصائية المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف .

   إنَّ حجم مجزرة الأيزيدية في 2014م, لا يمكن الحديث عنها بصورة متكاملة من دون اللجوء إلى من وثقها وكتب عنها, والقائمة طويلة في هذا المجال سواء من خلال مشروع توثيق الإبادة الجماعية للأيزيدين, الذي وصلت سلسلته إلى العشرات من الكتب والذي يشرف عليه السيد خيري بوزاني, كذلك جهود مركز بيشكجي من خلال موسوعة جينوسايد الأيزيدية للباحث المختص بتوثيق المجزرة السيد داود مراد ختاري, فضلاً عن جهود مركز دراسات الإبادة الجماعية في جامعة دهوك, وما تضمنته بعض إصدارات المركز العراقي لتوثيق جرائم التطرف ولا سيما كتاب انتهاكات داعش للقانون الدولي لحقوق الإنسان لمؤلفه الدكتور فاضل الغراوي, الذي دوّن إفادات الناجيات الأيزيديات بجزء من الكتاب .

   ومن كلّ ما تم ذكره سيتمُ الحديثَ في هذا السّطور عن كتاب: ( حملة إبادة الايزيديين …سرد لواقع حملة عصابات داعش على المكون الأيزيدي في العراق  للمؤلفيّن: القاضي قاسم شيخ أوسمان والمحامي بكر حمه صديق).

 يُعدُّ هذا الكتاب من المؤلفات المهمة للمهتمين بدراسة الإبادة الجماعية التي تعرّض لها الأيزيديون في العراق, ويشير المؤلف إلى أنَّ ما تم توثيقه هو ما تعرض له الأيزيديون في فترة 2014-2015م, وهذا التحديد مهم لمعرفة ما الذي جرى بعد تلك السنوات ,ولا سيما في مجمعات النازحين وغير ذلك؟ ومن الجدير بالذكر هناك دراسة في هذا المجال بعنوان : من جحيم العبودية إلى معاناة المخيمات لـ” رنا جاسم الشمري” .

   يشعرُ قارئُ الكتاب أن مؤلفه على الرغم من أنه يوثق لجريمة إبادة قد تعرض لها أبناء ديانته بشكل عام وعائلته بشكل خاص, إلا أنه لم يتخل عن البعد الإنساني في شخصيته, مبتعداً عن الكتابة لكل ما يؤسس للحقد, ويقترب من كل ما ينصف الضحايا ويحقق العدالة, إذ يؤكد الكاتب ومن الصفحات الأولى في دراسته, أن جرائم التطرف لا تختص بمنطقة في العالم دون سواها, فضلاً عن ابتعاده عن تعميم فعل الجريمة على المشتركين معهم في الهوية ذاتها, فنجده يحاول إظهار المواقف الإيجابية على الرغم من حجم المأساة التي تعرّضت لها جماعته .

   يُقدم مؤلفُ الكتاب وصفاً مختصراً دقيقاً لبداية حملة الإبادة وتوزيعها الجغرافي وما تعرّضت له القُرى الأيزيدية, ويُلاحظ أن بعض المؤلفين الذين اهتموا بدراسة أو توثيق الإبادة قد اشتغلوا على توثيق المأساة فحسب, أما في هذا الكتاب (حملة إبادة الأيزيديين …), فإنَّ المؤلف قد عمل على إظهار مواقف الأبطال الذين تصدوا للتنظيم الإرهابي, والقائمة طويلة في هذا المجال, كذلك قد عمل على توثيق مواقف أغلب من وقف مع الضحايا الأيزيديين بالأسماء والتفاصيل وهذا الأمر نجده مهملاً عند الآخرين بينما هو رأس المال الاجتماعي الذي يُرتكز إليه في الأزمات .

   وفي صفحات الكتاب من 93-206, التي تضمنت إفادات الشهود, تعد مهمة جداً لقرب توثيقها من تاريخ حدوث الجريمة, إذ تم تدوينها بعد أسبوعين أو أكثر من تاريخ حدوث المجزرة, وهذا الأمر الأول, أما الأمر الثاني, فإن أهمية الإفادات تأتي لأن من أشرفَ عليها قاض يُدرك الأبعاد القانونية التي توثق الإفادات من أجل المساهمة في تحقيق العدالة لاحقا.

   وفي جزء من الكتاب توثيق لأسماء الشهداء والمفقودين والأسرى, وقد أحسن الكاتب في تأكيده أن الأرقام المذكورة في إحصائيته ليست نهائية لأنها قد وضعت في سنة 2019م تاريخ تأليف الكتاب.

ومن الجدير بالذكر يمكن الإشارة إلى الإحصائيات الأخيرة لمكتب انقاذ المختطفين الأيزيديين في تاريخ 28/ 7/ 2022, وهي بشكل مختصر كالآتي:

عدد الشهداء: أكثر من 5000, عدد المختطفين كان: 6147( الأناث 3548, والذكور 2869), أما أعداد الناجيات والناجين من تنظيم داعش الإرهابي فالمجموع (3554) (نساء: 1207, ورجال 339, أطفال أناث: 1051, أطفال ذكور : 957), وعدد المختطفين الذين استشهدوا بأيدي داعش وتم العثور على جثثهم (146), وعدد الضحايا الباقين (2717), الأناث (1273), الذكور (1444) .

   كذلك تضمن كتاب حملة إبادة الأيزيديين توثيقاً لصور الشهداء مرورا بصور الضحايا الأيزيديات اللواتي بيعن في سوق الضحايا إلى صور النزوح والتهجير, ولم ينس صور التكافل الاجتماعي التي حدثت بعد النزوح .

   ختاماً, يعد هذا الكتاب وثيقة مهمة حية لمجموعة صور قد وثقت الإبادة الجماعية للأيزيدية في 2014م, ولم يقتصر الكاتب على سرد واقع المجزرة, إنما حاول الإشارة إلى المواقف الإيجابية للتضحيات المختلفة التي لم تقتصر على دين أو قومية من أجل الدفاع أو انقاذ الايزيديين. ومن الواجب القول أن العراق دولة متعددة الأديان والقوميات والمذاهب, ومن لم يؤمن بهذا الأمر ويعترف به ويعمل من أجله لبناء الدولة, فستكون النتيجة الاقصاء والقتل والتهميش مثلما حدث قبل 2003م مع النظام البعثي المجرم, أم مع سلوك كيان داعش الإرهابي بعد 2014م.